بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد إن من الأسباب المعينة على حسن الظن هو التماس الأعذار للآخرين فقال ابن سيرين رحمه الله " إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل لعل له عذرا لا أعرفه" وكما أن من الأسباب المعينة على حسن الظن هو تجنب الحكم على النيات، وإستحضار آفات سوء الظن وعدم تزكية النفس، وقال سفيان بن حسين ذكرت رجلا بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال أغزوت الروم؟ قلت لا، قال فالسند والهند والترك؟ قلت لا، قال أفتسلم منك الروم والسند والهند والترك، ولم يسلم منك أخوك المسلم؟ قال فلم أعد بعدها" وقال أبو حاتم بن حبان البستي.
في كتاب روضة العقلاء، الواجب على العاقل هو لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الإشتغال بإصلاح عيوب نفسه فإن من إشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه ولم يتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإن من إشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه وتعذر عليه ترك عيوب نفسه" واعلموا يرحمكم الله أنه ما ينبغي على القاضي في الحكم هو أنه لابد أن يتلمس الحكم في الكتاب والسنة النبوية باحثا عن الحكم الذي تريد أن تصدره بالجواز أو المنع، وبالحل أو التحريم، وبالوجوب أو عدمه، ولا بد وأن يكون لك باع طويل بالكتاب والسنة، فإن طلبت الحكم في القرآن ولم تجده ولا أقول لإنعدامه، ولكن لضعفك وعدم قدرتك، فأنت مخلوق ومعذور، فاطلب الحكم في سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وهذا يتطلب منك أن تكون قد ألممت بسنة الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولا أقول أحطت بها، أو أن تكون قد قرأت كتب السنة وعرفت ما فيها، فإن تعذر عليك ولم تجد الحكم فهنا اجتهد رأيك في أن يكون الحكم أو القول أو العمل موافقا لما شرع الله ورسوله، وهنا لطيفة ظريفة، وهي أنه لا بد وأن تكون يا عبد الله، قد عرفت محاب الله ومساخطه، وعرفت ما يحب الله من اليسر، وما يكره من العسر وأنت تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الرفق " ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه " ولما نزلت سورة الأعلى وفيها " ونيسرك لليسري " وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في صلاته في كل يوم لأنها تحمل هذه البشرى " ونيسرك لليسري " فإذا كنت تعرف محاب الله ومكارهه فلا بد أن يكون هذا الذي تجتهد فيه مما يحب الله تعالي.
أو مما يكره الله عز وجل حتى تنزله على رضا الله فيما يحب أو فيما يكره، لأن هذا الموطن موطن الإجتهاد، وبعض أهل العلم قد يقولون أغلق باب الاجتهاد من قرون، وهذا القول لا يقبل في الجملة، بل باب الله مفتوح، ولكن ليس كل من نصب نفسه للإجتهاد أصبح من أهله، وإنما لا بد وأن يكون قد علم محاب الله ومساخطه، وبواسطة هذا النور يعثر على ما يطلبه من حكم الله عز وجل، وكذلك لابد وأن يكون قد ألم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم يصبح مجتهدا فإن أصاب فله أجران، أجر إجتهاده، وأجر إصابته، وإن لم يصب وإنما أخطأ فله أجر إجتهاده فقط، ولا يضيعه الله عز وجل وقد بذل عرقه وجهده في تحري الحق، وطلب ما يرضي الله عز وجل ولا يسخطه، ومن هنا معاشر المستمعين والمستمعات، من أراد أن يقول هذا حلال أو هذا حرام.
أو هذا لا يجوز أو هذا منكر أو غير هذا فلا بد وأن يكون عنده علم بمحاب الله ومساخطه، وأن يكون عنده إلمام بما في كتاب الله، وأعظم ما في كتاب الله من أحكام هو ما حوته هذه النداءات التسعين، ولهذا أنصح كل مؤمن ومؤمنة لو كانوا يقبلون النصح أن يقرءوا هذه النداءات، ويحفظونها، حتى يلموا بمحاب الله ومكارهه.
إضافة تعليق جديد