بقلم د/ سماح عزازي
في قلب الصراع النووي كشمير، الجرح المفتوح بين الهند وباكستان وسط تصاعد التوترات بين الجارتين النوويتين، أعلنت باكستان مؤخرًا عن مجموعة قرارات تصعيدية شملت: تعليق التجارة، إغلاق الحدود والمجال الجوي، طرد الدبلوماسيين الهنود، وتعليق إصدار جميع التأشيرات للمواطنين الهنود. وردًا على ذلك، أصدرت الهند إنذارًا يطالب الباكستانيين المقيمين على أراضيها بالمغادرة في موعد أقصاه 29 أبريل.
هذه التطورات تعيد إلى الواجهة مجددًا ملف كشمير، الذي لطالما كان محورًا للصراع التاريخي المحتدم بين البلدين منذ عام 1947.
ما هي أزمة كشمير؟ ولماذا تتجدد دائمًا؟
كشمير هي منطقة جبلية خلابة تقع في شمال شبه القارة الهندية، ظلت منذ استقلال الهند وباكستان عن الاستعمار البريطاني عام 1947، نقطة اشتعال دائمة. فبعد التقسيم، اختار حاكم كشمير الانضمام إلى الهند، رغم أن غالبية السكان من المسلمين، مما فجّر أولى الحروب الهندية-الباكستانية.
ومنذ ذلك الحين، اندلعت ثلاث حروب كبرى ونزاعات حدودية لا تحصى، ولا تزال الهند تسيطر على نحو ثلثي الإقليم (جامو وكشمير)، بينما تسيطر باكستان على الباقي (كشمير الحرة وجلجت-بلتستان)، وتطالب كل من الدولتين بالسيادة الكاملة على الإقليم.
ورغم قرار مجلس الأمن رقم 47 عام 1948 الذي نص على إجراء استفتاء لتقرير المصير، إلا أن الهند رفضت تنفيذه، ما تسبب في استمرار النزاع.
ما الذي فجّر التصعيد الحالي؟
التصعيد الأخير يرتبط بعدة عوامل متشابكة، أبرزها:
1. القرار الهندي عام 2019 بإلغاء المادة 370 من الدستور، التي كانت تمنح كشمير حكمًا ذاتيًا محدودًا، مما أثار غضب باكستان واعتبرته تغييرًا أحاديًا للوضع القانوني للإقليم.
2. اتهامات باكستان للهند بانتهاك حقوق الإنسان ضد المسلمين الكشميريين، بما في ذلك الاعتقالات الجماعية، وقطع الإنترنت، والتغيير الديمغرافي.
3. مقتل مدنيين على جانبي الحدود خلال الأشهر الماضية نتيجة الاشتباكات المتكررة في "خط السيطرة"، وهو الخط الفاصل غير الرسمي بين الجانبين.
4. الإعلام المتبادل والموجّه الذي غذّى مشاعر العداء القومي، وحرّك الشارع في كلا البلدين نحو التصعيد.
ردود الفعل في البلدين
في باكستان، لقيت القرارات دعمًا شعبيًا وسياسيًا واسعًا، حيث رأى الشارع أن الرد كان ضروريًا لحماية الكشميريين. وأكدت وزارة الخارجية أن إغلاق الأجواء والمجال التجاري "رسالة سياسية واضحة بأن كشمير لا تزال خطًا أحمر".
في الهند، اتُهمت باكستان بأنها تحاول "تدويل الأزمة" لأغراض سياسية، وأن ردها مبالغ فيه. وقال وزير الشؤون الخارجية إن الخطوة الباكستانية "لن تؤثر على مسار الهند في كشمير".
قلق دولي... وصمت استراتيجي
المجتمع الدولي أبدى قلقًا محدودًا من التصعيد، في ظل انشغاله بأزمات أخرى مثل حرب أوكرانيا والشرق الأوسط. ودعت الأمم المتحدة إلى التهدئة والحوار، فيما اكتفى البيت الأبيض بدعوة الطرفين إلى "ضبط النفس".
هل من أمل في الحل؟
حتى الآن، لا تبدو هناك مؤشرات جدية على استئناف الحوار. فالهند ترفض التوسط الدولي، وتصر على اعتبار كشمير "شأنًا داخليًا"، فيما تواصل باكستان الضغط من خلال الخطاب الديني والحقوقي والإعلامي.
ويظل الأمل الوحيد في حل سلمي مرهونًا بإرادة سياسية حقيقية، تدرك أن استمرار التوتر في كشمير ليس مجرد خلاف حدودي، بل خطر دائم يهدد الأمن الإقليمي، خاصة وأن البلدين يمتلكان السلاح النووي.
إضافة تعليق جديد