رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 27 نوفمبر 2025 3:17 م توقيت القاهرة

اسرائيل تصعد في لبنان دون حسيب او رقيب

 

يوسف حسن يكتب -
هذه ليست المرة الأولى التي تُقدم فيها إسرائيل على شنّ هجوم عنيف يستهدف المناطق السكنية في حارة حريك. فمنذ وقف إطلاق النار في 27/11/2024، دأبت إسرائيل على تنفيذ اعتداءات دقيقة طالت أرض لبنان وسيادته ومؤسساته واستقراره السياسي. وفي هذا السياق، سخّرت تل أبيب قدراتها العسكرية والاستخباراتية والإعلامية، إضافة إلى شبكاتها، في محاولة للضغط على المقاومة وأنصارها ومؤسسات حزب الله. ويعكس ذلك إصرار إسرائيل على اعتماد نهجها الأمني الصارم دون الاكتراث بأي اتفاق أو تفاهم، ولا إيلاء أهمية للمواقف الرسمية اللبنانية والعربية، مستفيدة في الوقت ذاته من الدعم الأمريكي.
غير أن إسرائيل، وبعد اغتيال الشهيد أبو علي طبطبائي وعدد من مرافقيه في حارة حريك، رفعت مستوى التوتر وتجاوزت الخطوط الحمراء، لا سيما أن الاغتيال تزامن مع يوم الاستقلال في لبنان. وهي رسالة واضحة ومباشرة إلى المسؤولين اللبنانيين، وخصوصًا جوزف عون، مفادها أن الطريق الوحيد لتمرير المشاريع السياسية المقبلة هو القبول بالشروط الإسرائيلية دون قيد أو شرط.
وقد صعّد بنيامين نتنياهو منسوب التوتر بهذه العملية، ومن الواضح أن هذه الدوامة لن تتوقف ما دام لبنان يواجه خطر الاعتداءات اليومية وعمليات التوغل وغيرها من الانتهاكات.
ويمثّل ذلك اختبارًا سياسيًا للدولة اللبنانية. فالدولة، التي تبنّت التوجيهات الأمريكية الداعية إلى حصر السلاح بيدها والسير نحو تسوية دبلوماسية لوقف الهجمات، مطالَبة اليوم بتحديد موقفها: ماذا سيكون قرارها ابتداءً من الآن؟ هل ستواصل الاعتماد على الوساطات الأمريكية، رغم إدراكها أن الكثير مما يجري يتم تحت إشراف مباشر من واشنطن؟
وليس جديدًا على لبنان أن تتأثر بعض المواقف الرسمية والسياسية بالدول الكبرى كفرنسا والولايات المتحدة، إلا أن ما يثير الجدل هو أن بعض وزراء حكومة نواف سلام وبعض القوى السياسية ذات الارتباط التاريخي بتل أبيب باتوا يجاهرون بالدعوة إلى القبول بالشروط الإسرائيلية تحت عناوين مثل "مفاوضات السلام" و"تطبيع العلاقات"، ويسعون إلى نزع سلاح المقاومة. ويبدو أن تبنّي هذا التوجه مرتبط بقناعة لديهم أن "أسرلة" لبنان تخدم مستقبلهم السياسي، خاصة بالنظر إلى دورهم خلال اجتياح 1982. فحزب القوات اللبنانية وسمير جعجع يعتبران أن الظروف الحالية تشكل فرصة لإعادة إحياء تلك المرحلة.
وغالبًا ما يعلن نتنياهو، عقب أي عملية في لبنان أو سوريا أو فلسطين، أن "تغيير الشرق الأوسط" وتشكيل "إسرائيل الكبرى" مشروع قيد التنفيذ، وأن العمليات العسكرية لن تتوقف قبل اكتمال رؤيته التوسعية.
وفي لبنان، ثمّة من ينظر إلى التطورات من زاوية الضغوط الأمريكية، ولا يؤمن بأن بلدًا صمد بمقاومته وجيشه وشعبه وحقق انتصارات كبيرة بين 1982 و2006 قادر اليوم أيضًا على تحقيق انتصارات جديدة. لكن تحقيق ذلك مشروط بوحدة الدعم للمقاومة ووقف محاولات بعض الأطراف المرتبطة بالخارج لتفكيك الداخل اللبناني.
أما الأصوات الداعية إلى التسليم أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي ألحقت منذ عام 2019 ومع انطلاق موجة الاحتجاجات أضرارًا كبيرة بلبنان سياسيًا واقتصاديًا، فهي شريك مباشر في إيصال البلاد إلى وضعها الحالي، إلى جانب الحرب الإسرائيلية على لبنان، وتداعيات الأزمة السورية، وعوامل أخرى.
ومع مرور عام على إعلان وقف إطلاق النار، التزمت المقاومة بمضمون الاتفاق رغم قوة الضغوط والهجمات، في حين تتجه الدولة اللبنانية نحو خطوات تتعلق بمسألة سلاح حزب الله، بينما تواصل الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما المحليون طرح موضوع نزع السلاح. غير أن الواقع يشير إلى فشل أهداف نتنياهو وحكومته خلال حرب الـ66 يومًا.
واليوم، ومع إصرار واشنطن وتل أبيب على توسيع نطاق الحرب، لا يمكن تجاهل حساسية الوضع اللبناني. ومن المؤكد أنهما سيواصلان الضغط السياسي على بيروت لدفع جوزف عون إلى القبول الكامل بالشروط المطروحة، بالتوازي مع تصعيد المطالب المتعلقة بسلاح المقاومة. وهذا يضع مسؤوليات إضافية على عاتق المقاومة، فيما تجد الدولة نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الوقوف إلى جانب الشعب والمقاومة، أو الدخول في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي والأمني.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
2 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.