رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 22 ديسمبر 2024 9:03 ص توقيت القاهرة

ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله.. بقلم / محمـــد الدكـــروري

اليوم : السبت الموافق 21 ديسمبر 2024
الحمد لله أحاط بكل شيء علما ووسع كل شيء رحمة وعلما، أحمده سبحانه على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل الفسق والضلال، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أزكى البرية وأتقاها، صلى الله عليه وآله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما، أما بعد أيها الناس اتقوا الله واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، فيجازى كلا بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثال ذرة شرا يره، أما بعد يقول الله عز وجل في كتابه العزيز كما جاء في سورة الكهف

" واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منهما منقلبا" فالله عز وجل عطف على جملة " وقل الحق من ربكم " كما جاء في الآيات من سورة الكهف، فإنه بعد أن بين لهم ما أعد لأهل الشرك وذكر ما يقابله مما أعده للذين آمنوا ضرب مثلا لحال الفريقين بمثل قصة أظهر الله تعالي فيها تأييده للمؤمن، وإهانته للكافر، فكان لذلك المثل شبه بمثل قصة أصحاب الكهف من عصر أقرب لعلم المخاطبين من عصر أهل الكهف.

فضرب الله تعالي مثلا للفريقين للمشركين وللمؤمنين بمثل رجلين كان حال أحدهما معجبا مؤنقا وحال الآخر بخلاف ذلك، فكانت عاقبة صاحب الحال المؤنقة تبابا وخسارة، وكانت عاقبة الآخر نجاحا، وذلك ليظهر للفريقين ما يجره الغرور والإعجاب والجبروت إلى صاحبه من الأرزاء، وما يلقاه المؤمن المتواضع العارف بسنن الله تعالي في العالم من التذكير والتدبر في العواقب فيكون معرضا للصلاح والنجاح، وهنا اللام في قوله لهم يجوز أن يتعلق بفعل واضرب كقوله تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم ويجوز أن يتعلق بقوله مثلا تعلق الحال بصاحبها، أي شبها لهم، أي للفريقين كما في قوله تعالى "فلا تضربوا لله الأمثال " والوجه أن يكون متنازعا فيه بين ضرب، ومثلا، والضمير في قوله لهم يعود إلى المشركين من أهل مكة على الوجه الأول ولم يتقدم لهم ذكر.

ويعود إلى جماعة الكافرين والمؤمنين على الوجه الثاني، ثم إن كان حال هذين الرجلين الممثل به حالا معروفا فالكلام تمثيل حال محسوس بحال محسوس، فالمعني بالرجلين رجلان من بني مخزوم من أهل مكة أخوان أحدهما كافر وهو الأسود بن عبد الأسد ابن عبد ياليل والآخر مسلم وهو أخوه أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل، وكان زوج أم سلمة قبل أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر المفسرون أين كانت الجنتان ولعلهما كانتا بالطائف فإن فيه جنات أهل مكة، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنهما أخوان من بني إسرائيل مات أبوهما وترك لهما مالا، فاشترى أحدهما أرضا وجعل فيها جنتين، وتصدق الآخر بماله فكان من أمرهما في الدنيا ما قصه الله تعالى في هذه السورة.

وحكى مصيرهما في الآخرة بما حكاه الله تعالي في سورة الصافات في قوله تعالي " فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين" كما جاء في الآيات فتكون قصتهما معلومة بما نزل فيها من القرآن في سورة الصافات قبل سورة الكهف، وإن كان حال الرجلين حالا مفروضا كما جوزه بعض المفسرين فيما نقله عنه الإمام ابن عطية، فالكلام على كل حال تمثيل محسوس بمحسوس، لأن تلك الحالة متصورة متخيلة، فقال الإمام ابن عطية فهذه الهيئة التي ذكرها الله تعالى لا يكاد المرء يتخيل أجمل منها في مكاسب الناس، وعلى هذا الوجه يكون هذا التمثيل كالذي جاء في قوله تعالى "ومثل الذين ينفقون أموالهم إبتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة الآيات"

والأظهر من سياق الكلام وصنع التراكيب مثل قوله تعالي " قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب" إلي آخر الآيات، فقد جاء لفظ قال غير مقترن بفاء وذلك من شأن حكاية المحاورات الواقعة، ومثل قوله تعالي " ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا" وهو أن يكون هذا المثل قصة معلومة، ولأن ذلك أوقع في العبرة والموعظة مثل المواعظ بمصير الأمم الخالية.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.