بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ذي العظمة والكبرياء ذلت لعظمته أنوف العظماء ودانت لجبروته الملوك والرؤساء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من نازعه الكبر صيره من الأذلاء ومن تواضع لأجله أنزله منازل السعداء، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله سيد المتواضعين يكره ويبغض الجبابرة المتكبرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا أما بعد لقد إنقضي شهر رمضان ويجب علينا عدم الإغترار بما حصل من الطاعات فيه، فإن بعض الناس إجتهدوا فعلا صاموا، وحفظوا جوارحهم، وختموا القرآن، وبعضهم أكثر من مرة، وعملوا عمرة في رمضان وصلوا التراويح وصلوا قيام رمضان كله من أوله إلى آخره.
ولم يخرموا منه يوما أو ليلة، وفعلوا ما فعلوا من الصدقات، وقدموا ما قدموا، وجلسوا في المساجد من بعد الفجر إلى إرتفاع الشمس، وبعد الصلاة يقرؤون القرآن، وقبل الصلاة ينتظرون الصلاة، حصلت عبادات كثيرة، لكن إذا كانت النفس سيئة، إذا كان الطبع متعفنا فإن كثرة العبادة لا تنفع بل إن الشيطان يوسوس ويقول لقد فعلت أشياء كثيرة وطاعات عظيمة، خرجت من شهر رمضان بحسنات أمثال الجبال فرصيدك في غاية الإرتفاع، وصحائف حسناتك مملوءة وكثيرة فلا عليك بعد ذلك ما عملت ويصاب بالغرور وبالعجب وتمتلئ نفسه تيها وفخرا، ولكن آية من كتاب الله تعالي تمحوا ذلك كله، وتوقفه عند حده، وتبين له حقيقة الأمر، وهي قول الله تعالى " ولا تمنن تستكثر" أتمن على الله؟
أتظن أنك فعلت له هذه الأشياء تكون أنت قد قدمت له أشياء عظيمة تظنها كخدمة من خدمات البشر؟ لا تمن على الله تعالي بعملك ولا تفخر ولا تغتر ولا تصاب بالعجب وتتخيل أن أعمالك كثيرة، فإن النبى المصطفي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الحسن " لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله تعالى لحقره يوم القيامة" أي لجاء يوم القيامة فرآه قليلا ضعيفا، لرآه حقيرا، لرأى عمله لا يساوي شيئا، فإنه لو قارنه بنعمة واحدة من النعم كنعمة البصر أو غيرها لصار هذا قليلا لا يساوي شيئا، لم يكد يعمل شيئا، ولذلك فإن الناس لا يدخلون الجنة بأعمالهم، وإنما يدخلونها برحمة الله تعالى، وليست الأعمال ثمنا للجنة لكنها سبب لدخول الجنة، أي لكنها سبب.
وإننا لا ندخل الجنة إلا بالأعمال الصالحة، الذى لم يعمل صالحا لا يدخل الجنة فهي سبب لكنها ليست الثمن، فبدون رحمة الله تعالي، الأعمال لا تؤهل لدخول الجنة، بل ولا تسديد نعمة ولا تسديد حق نعمة واحدة من النعم، ونذكر أيضا بأن الإستمرار في العبادة والطاعة وهضم النفس مع وجوبهما فإن ذلك لا يعني أن يكلف الإنسان نفسه فوق ما لا يطيق " خذوا من العبادة ما تطيقون فإن الله لا يسأم حتى تسأموا" وهذا ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم، وهنا وقفة وهى أنه لا يشترط أن نكون في بعد شهر رمضان كما كنا في رمضان، فنحن نعلم أن ذلك موسم عظيم لا يأتي بعده مثله إلى رمضان الذي بعده، لا يأتي بعده مثله، لا يأتي شهر فيه خيرات ومغفرة ورحمة وعتق كما في هذا الشهر الذي إنصرم.
فنحن لا نقول كونوا كما كنتم في شهر رمضان من الإجتهاد فالنفس لا تطيق ذلك، لكن لا للانقطاع عن الأعمال، فإن الخطورة في الإنقطاع فلا بد من أخذ الأمور بواقعية ليس من المطلوب أن نكون بعد رمضان مثل رمضان، كان ذلك شهر إجتهاد له وضع وظرف خاص، لكن الإنقطاع عن الأعمال لا، ترك الصيام بالكلية لا، ترك القيام بالكلية لا، ترك ختم القرآن بالكلية لا، ترك الدعاء والذكر والصدقة والعمرة لا إستمروا على العمل وإن كان أقل مما كان في رمضان، ثم إن الله عز وجل إذا كان العبد مواصلا على عمله لو أصابه عارض لو مرض لو سافر يكتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحا مقيما.
إضافة تعليق جديد