بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على عباده جاد، بدأهم بالفضل وله عليهم أعاد، آلائه عليهم سابغة ما خفيّ منها أعظم مما هو باد في فضله يتقلبون فهو عليهم ما بين طريف وتلاد وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ما مرّ تال بذكر قوم هود عاد ثم أما بعد لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فنزل عليه الملك بغار حراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وكان إذا نزل عليه الوحي إشتد ذلك عليه وتغيّر وجهه وعرق جبينه، فلما نزل عليه الملك قال له اقرأ، قال صلى الله عليه وسلم لست بقارئ، فغطاه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم قال له اقرأ، فقال صلى الله عليه وسلم لست بقارئ ثلاثا، ثم قال " اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم "
فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة رضي الله عنها يرتجف، فأخبرها بما حدث له، فثبتته وقالت أبشر، وكلا والله لا يخزيك أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتعين على نوائب الدهر، ثم فتر الوحي، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئا، فاغتم لذلك وإشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته وبشره بأنه رسول الله حقا، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف منه وذهب إلى خديجة وقال زملوني دثروني، فأنزل الله عليه " يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر " فأمر الله تعالى في هذه الآيات أن ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله، فشمّر صلى الله عليه وسلم عن ساق التكليف.
وقام في طاعة الله أتم قيام، يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فإستجاب له عباد الله من كل قبيلة ممن أراد الله تعالى فوزهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام على نور وبصيرة، فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب، فقد كان شريفاً مطاعا فيهم، نبيلا بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من محبته له، وقال ابن الجوزي وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه " فاصدع بما تؤمر " فأعلن الدعاء، فلما نزل قوله تعالى " وأنذر عشيرتك الأقربين" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف "يا صباحاه" فقالوا من هذا الذي يهتف؟
قالوا محمد فاجتمعوا إليه فقال "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا ما جربنا عليك كذبا، قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى " تبت يدا أبي لهب وتب ما أغني عنه ماله وما كسب سيصلي نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد " فهو صلى الله عليه وسلم الذي ناداه ربه فقال " ألم نشرح لك صدرك" أي بمعني أما شرحنا لك صدرك فصار وسيعا فسيحا لا ضيق فيه، ولا حرج ولا همّ ولا غمّ ولا حزن، بل ملأناه لك نورا وسرورا وحبورا، أما شرحنا لك صدرك وملأناه حكمة ورحمة وإيمانا وبرا وإحسانا، وشرحنا لك صدرك فوسعت أخلاق الناس، وعفوت عن تقصيرهم.
وصفحت عن أخطائهم وسترت عيوبهم، وحلمت على سفيههم وأعرضت عن جاهلهم ورحمت ضعيفهم، فشرحنا لك صدرك فكنت كالغيث جوادا، وكالبحر كرما وكالنسيم لطفا، تعطي السائل وتمنح الراغب وتكرم القاصد وتجود على المؤمّل، وشرحنا لك صدرك فصار بردا وسلاما يطفئ الكلمة الجافية، ويبرد العبارة الجارحة، فإذا العفو والحلم والصفح والغفران.
إضافة تعليق جديد