بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الحمد لله مغيث المستغيثين ومجيب دعوة المضطرين ومسبل النعم على الخلق أجمعين، عظم حلمه فستر، وبسط يده بالعطاء فأكثر، نعمه تترى وفضله لا يحصى، من أناخ بباب كرمه ظفر، وأزال عنه الضر، وجبر ما انكسر، إليه وحده ترفع الشكوى وهو المقصود في السر والنجوى يجود بأعظم مطلوب ويعُم بفضله وإحسانه كل مرغوب، سبحانه أنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها فبلّ الأرض بعد جفوفها وأخرج نبتها بعد جدوبها سبحانه وسع سمعه ضجيج الأصوات باختلاف اللغات وتنوع الحاجات فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو مجيب الدعوات وفارج الكربات وهو مجبل النعم على جميع البريات وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا هو عبد الله ورسوله، أصدق العباد قصدا وأعظمهم لربه ذكرا وخشية وتقوى صلى الله وسلم وبارك عليه.
وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين ثم أما بعد يذكر التاريخ أن القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله كان من أكثر ملوك عصره توفيقا في الفتوح والنصر، وكان نصيبه من الغنائم كبيرا جدا، فجعله كله مدارس ومستشفيات ومساجد، مما لا يزال بعض آثاره باقيا حتى اليوم، ولم يترك لنفسه ولأولاده شيئا من ذلك، حتى قالوا إنه حين مات، مات وهو من أفقر الناس رحمه الله، وهذه هي أمانة القائد الذي يأبى أن يتاجر بجهاده، ويرضى بالله وجنته وثوابه بديلا، فهكذا فإذا رأيت في نفسك أنك لست أهلا لأن تكون في هذا المكان، ولست من أهل هذا المقام، فينبغي عليك أن تتنحى عنه لأنك ستسأل عنه بين يدي الله عز وجل، وأعلم في نفسك أيضا بأنك لست أهلا لهذا المنبر، والناس يتضايقون من خطبك.
ويوجد من هو خير منك، فلابد أن تبتعد، وأن تتنحى، والقائد والزعيم الذي يرى من نفسه أنه لا يصلح أن يكون رأسا بين الناس يحمل مشاكلهم، ويصلح بينهم، ويوجد من هو خير منه فليتنحي فإنها أمانة، فالمسؤول الفلاني في أي مكان كان إذا رأى أن الناس يتضايقون منه لأنه ما حقق شيئا في هذا المكان الذي ينبغي أن يفعله غيره لو كان مكانه، فليبتعد وليتنحي، فإنها أمانة، وستكون يوم القيامة خزي وندامة، وبيّن صلى الله عليه وسلم أنها سبب من أسباب نيل محبة الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم " مت سرّه أن يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدث، وليؤدي أمانته إذا ائتمن" رواه البيهقي، فإنها الأمانة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم سر السعادة في الدنيا والآخرة.
فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أربع إذا كنّ فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم" وتأمل دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال " اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة" فإنها الأمانة التي عُرف بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولقب بها قبل البعثة، وقصة وضع الحجر الأسود مشهورة حيث فرح القوم بمقدمه صلى الله عليه وسلم وقالوا هذا الأمين، وفي قصة هرقل مع أبي سفيان رضي الله عنه، قال هرقل سألتك عن ماذا يأمركم أي النبي صلى الله عليه وسلم فزعمت أنه يأمر بالصلاة، والصدق، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وهذه صفة نبي" متفق عليه.
وأمانته صلى الله عليه وسلم كانت سببا في زواجه من أُم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بل إن الله جل وعلا وصف بها جبريل عليه السلام " نزل به الروح الأمين " وقال سبحانه " مطاع ثم أمين" أما أمانته بعد البعثة فقد أدى الرسول صلى الله عليه وسلم الأمانة الكبرى التي تكفل بها وهي الرسالة أعظم ما يكون الأداء، وتحمل في سبيلها أعظم أنواع المشقة.
إضافة تعليق جديد