بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب وأنزله في أوجز لفظ وأعجزِ أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد إن الخلق أفضل الجمالين، فالجمال جمالان، جمال حسي، يتمثل في الشكل والهيئة والزينة والمركب والجاه والمنصب، وجمال معنوي، يتمثل في النفس والسلوك والذكاء والفطنة والعلم والأدب، كما قال القائل ليس الجمال بأثواب تزيننا، إن الجمال جمال العلم والأدب، وقد ذكر الله أن للإنسان عورتين، عورة الجسم وعورة النفس.
ولكل منهما ستر فستر الأولى بالملابس، وستر الثانية بالخلق، وقد أمر الله بالسترين، ونبه أن الستر المعنوي أهم من الستر الحسي فقال " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوي ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون " فطهارة الباطن أعظم من طهارة الظاهر، وإن هناك أسباب ووسائل يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق ومن ذلك هو سلامة العقيدة، فالسلوك ثمرة لما يحمله الإنسان من فكر ومعتقد، وما يدين به من دين، والإنحراف في السلوك ناتج عن خلل في المعتقد، فالعقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا فإذا صحت العقيدة، حسنت الأخلاق تبعا لذلك فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق، كما أنها تردعه عن مساوئ الأخلاق.
وكما أن من الأسباب والوسائل التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق هو الدعاء فيلجأ إلى ربه، ليرزقه حسن الخلق، ويصرف عنه سيئه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعاء الاستفتاح " اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت" رواه مسلم، وكان يقول " اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء" رواه الترمذي، وكما أن من الأسباب والوسائل التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق هو المجاهدة فالخلق الحسن نوع من الهداية، يحصل عليه المرء بالمجاهدة، حيث قال الله عز وجل " والذين جاهدوا فينا سبلنا وإن الله لمع المحسنين " والمجاهدة لا تعني أن يجاهد المرء نفسه مرة، أو مرتين، أو أكثر، بل تعني أن يجاهد نفسه حتى يموت ذلك أن المجاهدة عبادة.
والله يقول " واعبد ربك حتي يأتيك اليقين " وكما أن من الأسباب والوسائل التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق هو المحاسبة وذلك بنقد النفس إذا ارتكبت أخلاقا ذميمة، وحملها على ألا تعود إليها مرة أخرى، مع أخذها بمبدأ الثواب، فإذا أحسنت أراحها، وأرسلها على سجيتها بعض الوقت في المباح، وإذا أساءت وقصرت، أخذها بالحزم والجد، وحرمها مِن بعض ما تريد، وكما أن من الأسباب والوسائل التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق هو التفكر في الآثار المترتبة على حسن الخلق فإن معرفة ثمرات الأشياء، وإستحضار حسن عواقبها، من أكبر الدواعي إلى فعلها، وتمثلها، والسعي إليها، والمرء إذا رغب في مكارم الأخلاق، وأدرك أنها من أولى ما اكتسبته النفوس، وأجل غنيمة غنمها الموفقون، سهل عليه نيلها وإكتسابها.
إضافة تعليق جديد