رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 24 نوفمبر 2025 7:13 م توقيت القاهرة

مدرسة سيدز حيث تحترق البراءة داخل جدران التعليم المزعوم

بقلم د/ سماح عزازي
في زوايا الأبنية الفخمة، بين شعارات التعليم الدولي والوعود بالتميّز والرقابة العالمية، ضاعت البراءة وتحولت إلى صرخة مكتومة. ما حدث في مدرسة سيدز الدولية ليس مجرد حادثة فردية، بل فضيحة تهز ضمير كل من يعتز بالأمانة والعدالة. أطفال الروضة، صغار لم يعرفوا بعد قسوة الحياة، أصبحوا ضحايا اعتداءات ممنهجة داخل جدران المدرسة، ما يفترض أن يكون ملاذًا آمنًا للنمو والتعلم، في مشهد يفضح هشاشة منظومة التعليم الخاصة وفقدان الرقابة والمحاسبة.
هذه الواقعة ليست حادثًا عابرًا يمكن تجاوزه بسرعة؛ بل هي انفجار أخلاقي واجتماعي يفرض على كل من يهمه أمر الأطفال التوقف ومساءلة الضمير قبل القانون. الجدران التي يفترض أن تحمي الأطفال أصبحت شاهدة على جريمة الانتهاك، والبيوت التي وضعت فيها الثقة اكتوت بنيران الفشل الإداري. كل تفصيل من شهادات الأمهات، كل وصف من الأطفال، هو صورة مرعبة لمدرسة تحولت من ملاذ للمعرفة إلى مسرح للظلام.
اليوم، نرفع الصوت عاليًا: أطفالنا ليسوا سلعة، مدارسنا ليست بيزنسًا، والبراءة ليست قابلة للمساومة. هذه صرخة الغضب التي يجب أن يسمعها الجميع قبل أن تتكرر الكارثة.
اعتداء على الطفولة… في صمت الإدارة
شهادات الأمهات تكشف أكثر مما يمكن لأي تحقيق رسمي أن يوثقه: شبكة اعتداء داخلية، تخويف بالأدوات، تحرش، وصمت مطبق من إدارة المدرسة.
إحدى الأمهات تقول:
"لم أصدق ما سمعته من ابني… عندما وصف ما حدث، شعرت أن قلبي ينكسر، وأن الجدران التي وضعت أطفالنا فيها صارت جدرانًا للشر."
النيابة حجزت المتهمين لأربعة أيام، وأمرت بعرضهم على الطب الشرعي، فيما وضعت الوزارة المدرسة تحت إشراف مالي وإداري، اعترافًا ضمنيًا بخطورة الانتهاكات وفشل الإدارة في حماية الأطفال.
الأمهات اضطررن للتحقيق بأنفسهن، يطابقن شهادات الأطفال مع صور العمال، ليكتشفن الخيانة المزدوجة: الاعتداء وصمت من يفترض أن يكونوا حماة البراءة.
الفشل المؤسسي هذة مدارس أم سجون للطفولة؟
كيف لم يتحرك أحد؟ كيف لم تكشف الإدارة أو كاميرات المراقبة؟ هذا التقاعس ليس مجرد إهمال، بل جريمة أخلاقية مضاعفة. الأطفال الذين تُركوا بلا حماية أصبحوا ضحايا لمن خانوا الأمانة، لمن حولوا مكان التعليم إلى فضاء للإهمال والاستغلال.
المدارس الخاصة تحولت أحيانًا إلى بيزنس فاحش، حيث تصبح الأموال والشهرة أكثر قيمة من البراءة، حيث تتحول الشعارات المرفوعة عن “التعليم الراقي” إلى واجهات مزيفة تخفي الاستغلال والانتهاك.
في هذه المدارس، لا يُختبر التعليم فقط، بل البراءة نفسها تُوضع على المحك، ويصبح الطفل مجرد رقم أو سلعة في حسابات الإدارة.
شهادات صادمة و أصوات من قلب الحدث
الأمهات اللواتي رافقن التحقيق، وصفن لحظات الصدمة: أطفال يصرخون ويخافون، عيون صغيرة ترتجف، وأفواه لم تعرف الكذب بعد تحكي ما لا يُطاق.
"لقد حاولت أن أفهم كيف يمكن لمعلم أو موظف أن يؤذي طفلًا بهذه الوحشية، بينما نحن ندفع آلاف الجنيهات ظنًا أننا نحميه ونعلمه"، تقول إحدى الأمهات، بصوت يرتجف بالغضب والحزن معًا.
هذه الشهادات ليست مجرد كلمات، بل نداء مستمر يفضح هشاشة النظام، وغياب الرقابة، وانعدام الحس الأخلاقي داخل المدرسة.
صرخة المجتمع… واجبنا نحو البراءة
إن السماح بمرور هذه الجرائم دون محاسبة هو رسالة قاتلة: الأطفال ليسوا آمنين، وبراءتهم ليست مقدسة. لذلك، يجب أن يكون الرد صارمًا:
محاسبة كاملة لكل متورط، من العمال إلى إدارة المدرسة.
إصلاح تشريعي شامل يضمن رقابة صارمة على المدارس الخاصة والدولية.
دعم نفسي طويل الأمد للأطفال لاستعادة الأمان والثقة في العالم من حولهم.
مراقبة مجتمعية مستمرة لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات.
حملات توعية للأهالي لكشف علامات الاعتداء والتبليغ المبكر.
أطفال بين الجدران
تخيل طفلًا في الخامسة من عمره، يدخل فناء المدرسة وهو يظن أنه عالم آمن، لكن خلف الباب، تنتظره الظلال. وجهه الصغير لا يعرف الخوف بعد، لكنه بدأ يشعر بالتهديد. في مكان يفترض أن يكون ملاذًا للمعرفة، تصبح الطفولة مادة للاستغلال.
هذه ليست رواية؛ هذه حقيقة صادمة، يجب أن يسمعها المجتمع بأسره.
لا للسكوت… نعم للعدالة
ما وقع في مدرسة سيدز هو رمز لانهيار أخلاقي وتربوي داخل مؤسسة يفترض أن تكون حامية للبراءة والنمو. السماح بمرور هذه الجرائم دون عقاب صارم هو السماح للشر بالتمدد، وللفساد بالاستقرار داخل المدارس الخاصة.
اليوم، نقف نيابة عن الأطفال، عن كل طفولة تهشمت بين جدران التعليم المزعوم، لنرفع الصوت ضد الإهمال، ضد التواطؤ، وضد كل من خان الأمانة. العدالة ليست خيارًا، بل واجب، والمحاسبة ليست مطلبًا، بل حق مقدس لكل طفل لم يُسمح له بالنمو في أمان.
لن نسمح للبراءة أن تحترق مرة أخرى، ولن نرضى بأن تصبح مدارسنا أماكن للخوف والظلام. يجب أن يكون هناك إصلاح جذري، رقابة صارمة، دعم نفسي طويل الأمد للأطفال، وحملات توعية مستمرة للأهالي والمجتمع.
هذه صرخة رماد البراءة… صرخة لا تموت، صرخة تستدعي العدالة، صرخة تُعيد الحق إلى أصحابه قبل فوات الأوان.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
2 + 10 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.