رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 31 مارس 2025 9:13 ص توقيت القاهرة

ليلة مغفرة الذنوب وستر العيوب

 
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا مـن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لاند له ولا شبيه ولا كفء ولا مثل ولانظير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحة للعالمين وحجة على العباد أجمعين وصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ما ذكره الذاكرون الأبرار وما تعاقب الليل والنهار فهو صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من صلى وصام ووقف بالمشاعر و طاف بالبيت الحرام، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد لقد كان النبي المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها، وهذا الحديث عن أم المؤمنين السيدة عائشة. 

ومن ذلك انه كان يعتكف فيها ويتحرى ليلة القدر خلالها، وعنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره " وقولها " وشد مئزره " كناية عن الإستعداد للعبادة والإجتهاد فيها زيادة على المعتاد، ومعناه التشمير في العبادات، وقيل هو كناية عن إعتزال النساء وترك الجماع، وقولهم " أحيا الليل " أي إستغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها، وقد جاء في حديث السيدة عائشة الآخر رضي الله عنها " لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القران كله في ليلة ولا قام ليلة حتى الصباح ولا صام شهرا كاملا قط غير رمضان" فيحمل قولها " أحيا الليل " على أنه يقوم أغلب الليل، أو يكون المعنى أنه يقوم الليل كله لكن يتخلل ذلك العشاء والسحور وغيرهما فيكون المراد أنه يحيي معظم الليل، وقولها " وأيقظ أهله " 

أي أيقظ أزواجه للقيام ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في سائر السنة ولكن كان يوقظهم لقيام بعض الليل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال " سبحان الله ماذا أُنزل الليلة من الفتن ماذا أُنزل من الخزائن، من يوقظ صواحب الحجرات ؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " وفيه كذلك أنه كان عليه السلام يوقظ السيدة عائشة رضي الله عنها إذا أراد أن يوتر، ولكن إيقاظه صلى الله عليه وسلم لأهله في العشر الأواخر من رمضان كان أبرز منه في سائر السنة، وفعله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على إهتمامه بطاعة ربه ومبادرته الأوقات وإغتنامه الأزمنة الفاضلة، فينبغي على المسلم الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه هو الأسوة والقدوة، والجدّ والإجتهاد في عبادة الله، وألا يضيّع ساعات هذه الأيام والليالي.

فإن المرء لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى بإختطاف هادم اللذات ومفرق الجماعات والموت الذي هو نازل بكل امرئ إذا جاء أجله، وإنتهى عمره، فحينئذ يندم حيث لا ينفع الندم، ومن فضائل هذه العشر وخصائصها ومزاياها أن فيها ليلة القدر، حيث قال الله تعالى كما جاء في سوة الدخان " حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم " وأنزل الله القران الكريم في تلك الليلة التي وصفها رب العالمين بأنها مباركة وقد صح عن جماعة من السلف منهم ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وغيرهم أن الليلة التي أنزل فيها القران هي ليلة القدر، وقوله " فيها يفرق كل أمر حكيم " أي تقدّر في تلك الليلة مقادير الخلائق على مدى العام.

فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداء والأشقياء والعزيز والذليل والجدب والقحط وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة، والمقصود بكتابة مقادير الخلائق في ليلة القدر والله أعلم أنها تنقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما " أن الرجل يُرى يفرش الفرش ويزرع الزرع وأنه لفي الأموات " أي انه كتب في ليلة القدر انه من الأموات" وقيل أن المعنى أن المقادير تبين في هذه الليلة للملائكة، ومعنى القدر أي التعظيم، أي أنها ليلة ذات قدر ، لهذه الخصائص التي اختصت بها، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر، وقيل القدر التضييق ومعنى التضييق فيها إخفاؤها عن العلم بتعيينها وقال الخليل بن أحمد إنما سميت ليلة القدر، لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة. 

من القدر وهو التضييق، قال تعالى " وأما إذا ما إبتلاه فقدر عليه رزقه " أي ضيق عليه رزقه، وقيل القدر بمعنى القدر بفتح الدال وذلك أنه يقدّر فيها أحكام السنة كما قال تعالى " فيها يفرق كل أمر حكيم " ولأن المقادير تقدر وتكتب فيها، فسماها الله تعالى ليلة القدر وذلك لعظم قدرها وجلالة مكانتها عند الله تعالي ولكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب فيها فهي ليلة المغفرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قام ليلة القدر إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.