بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، حمدا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على من خصه بفضله وبيانه، محمد المصطفى الأمين جوهر الحق وريحانه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه منادي بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا " رواه الترمذي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " رواه أبو داود والترمذي، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه وجدبهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه.
وهذا هو القائد العظيم الذي إستعاد للأمة العربية بيت المقدس بعد أن دنسه اليهود عدة عقود، فكانت حضارة جديدة عجيبة قد نشأت في بلاد سوريا وفلسطين ذلك أن الأوربيين الذين إستوطنوا هذين البلدين منذ عام ألف وتسع وتسعون ميلادي، قد تزيوا شيئا فشيئا بالزي الشرقي فلبسوا العمامة والقفطان اللذين يوائمان مناخ تلك البلاد ذات الشمس والرمال، وزاد إتصالهم بمن يعيشون في تلك المملكة من المسلمين فقل بذلك ما بين الجنسين من تنافر وعداء فأخذ التجار المسلمون يدخلون بكامل حريتهم البلدان المسيحية ويبيعون أهلها بضاعتهم وكان المرضى من المسيحيين يفضلون الأطباء المسلمين واليهود على الأطباء المسيحيين وأجاز رجال الدين المسيحيون إلى المسلمين أن يؤموا المساجد للعبادة وأخذ المسلمون يعلمون أبناءهم القرآن في المدارس الإسلامية القائمة.
في إنطاكية وطرابلس المسيحيتين وتعهدت الدول المسيحية والإسلامية بأن تضمن سلامة التجار والمسافرين الذين ينتقلون من إحداهما إلى الأخرى، وإذ كان الصليبيون لم يأتوا معهم إلا قليل من زوجاتهم فقد إتخذ كثيرون ممن أقاموا منهم في الدول المسيحية لهم زوجات سوريات وسرعان ما كون أبناء هذا الزواج المختلط عنصرا كبيرا من سكان الدول الجديدة وأصبحت اللغة العربية لغة التخاطب اليومي العامة للسكان وعقد الأمراء المسيحيون أحلافا مع الأمراء المسلمين ضد منافسيهم من المسيحيين كما كان الأمراء المسلمون في بعض الأحيان يستعينون بالمشركين في شئون السياسة والحرب، ونمت صلات المودة الشخصية بين المسيحيين والمسلمين، وقد وصف الرحالة ابن جبير الذي طاف بسوريا المسيحية في عام ألف ومائة وثلاث وثمانين ميلادي.
بنى دينه المسلمين بأنهم ينعمون بالرخاء ويلقون معاملة حسنة على يد الفرنجة، وكان مما ساءه أن يرى عكا غاصة بالخنازير والصلبان تفوح منها رائحة الأوربيين الكريهة ولكنه يأمل أن يتحضر المسيحيون بالحضارة التي وفدوا إليها ولاتي هي أرقى من حضارتهم، وظلت مملكة أورشليم اللاتينية في سني السلم الأربعين التي أعقبت الحملة الصليبية الثانية تمزقها المنازعات الداخلية على حين أن أعداءها المسلمين كانوا يسيرون بخطى حثيثة نحو الوحدة، فقد مد نور الدين سلطانه من حلب إلى دمشق عام ألف ومائة وخمسة وسبعون ميلادي، ولما مات أخضع صلاح الدين لسلطانه مصر وسوريا الإسلامية عام ألف ومائة وخمسة وسبعون ميلادي، ونشر تجار جنوى والبندقية وبيزا الاضطراب في الثغور الشرقية بمنافساتهم القاتلة.
وفي أورشليم أخذ الفرسان يتنازعون للإستيلاء على العرش، ولما إستطاع جاي ده لوزينان أن يشق إليه طريقه بالختل عام ألف ومائة وستة وثمانون ميلادي، إستاءت لذلك طبقة الأشراف حتى قال أخوه جوفري " إن يكن جاي هذا ملكا فأنا خليق بأن أكون إلها " ونصب ريجلند أمير شاتيون نفسه أميرا مستقلا في قلعة الكرك العظيمة وراء نهر الأردن على حدود بلاد العرب وكثيرا ما خرق إتفاق الهدنة المعقود بين الملك اللاتيني وصلاح الدين، وأعلن عزمه على أن يغزو بلاد العرب ويهدم قبر النبي محمد صلي الله عليه وسلم في المدينة ويدك أبنية الكعبة في مكة، وأبحرت قوته الصغيرة المؤلفة من الفرسان المغامرين في البحر الأحمر وإتجهت نحو المدينة ولكن سرية مصرية باغتتها وقتلتها عن آخرها إلا عددا قليلا فروا مع ريجنلد وبعض الأسرى.
الذين سيقوا إلى مكة وذبحوا في يوم عيد النحر عام ألف ومائة وثلاثة وثمانون ميلادي، وكان صلاح الدين في هذه الأثناء قد قنع بشن الغارات الصغيرة على فلسطين فلما رأى ما فعله ريجلند ثارت حميته الدينية فأخذ ينظم من جديد جيشه الذي فتح به دمشق والتقى بقوات المملكة اللاتينية في معركة غير حاسمة عند مرج ابن عامر ذي الشهرة التاريخية عام ألف ومائة وثلاثة وثمانون ميلادي، ثم هاجم ريجلند عند الكرك بعد بضعة أشهر من ذلك الوقت ولكنه لم يستطع دخول القلعة الحصينة.
إضافة تعليق جديد