رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 19 يناير 2025 5:13 ص توقيت القاهرة

فقير القلب والنفس

 
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 7 سبتمبر 2024
الحمد لله على نعمة الصيام والقيام، وأحمد الله واشكره، فإليه المرجع وإليه المآب، واشهد أن لا إله إلا هو، ولقد جعل الله النهار والليل آية لأولي الألباب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد اتقوا الله ربكم حق تقاته، واشكروه على ما أنعم عليكم من النعم، واعبدوا واحمدوا الله، واعرفوا قدر النعم التي أنعمها الله عليكم، واحمده على منه عليكم بمواسم الخيرات والتي تتكرر كل عام، وتوبوا لله توبة نصوحا، ولا تموتن إلا وأنتم مؤمنون ثم أما بعد قد يهدي الله تعالي العبد للإسلام، ولكنه يبتلى إما بفقر ينسي، أو غنى يطغي، وكل منهما ملهاة تورث الهم والغم والقسوة أو المذلة، فمن أراد به الله الخير والفلاح كان رزقه كفافا لأنه سلم من تبعه الغنى وذلّ سؤال الخلق، وحد الكفاف هو أن يجد الإنسان ما يدفع ضروراته، وحاجاته ويكف قلبه ولسانه عن سؤال الناس. 

والتطلع إلى ما في أيديهم، وغني عن التنبيه أن المراد بالرزق الحلال لأنه لا فلاح مع رزق حرام، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يكون رزق آل محمد ما يقوتهم ويكفيهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم ارزق آل محمد قوتا" وفي رواية عند مسلم "كفافا" والقوت هو ما يقوت ويكفي من العيش ويكف عن الحاجة، وسمي قوتا لحصول القوة منه، وهو بمعنى الكفاف والمعنى اكفهم من القوت ما لا يرهقهم إلى ذل المسألة، ولا يكون فيه فضول يبعث على الترف والتبسط في الدنيا، وقد إحتج بهذا من فضل الفقر على الغنى، وقد إتفق الجميع على أن ما أحوج من الفقر مكروه، وما أبطر من الغنى مذموم، والكفاف حالة متوسطة بين الفقر والغنى، وخير الأمور أواسطها، ولذلك سأله المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله.

" اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا" ومعلوم أنه لا يسأل إلا أفضل الأحوال، والكفاف حالة سليمة من آفات الغنى المطغي، وآفات الفقر المدقع الذي كان يتعوذ منهما، فهي أفضل منهما، قد يهدي الله تعالي الإنسان إلى الإسلام ويكون عيشه كفافا ولكنه لا يقنع بما آتاه الله، بل يكون في قلق دائم وتسخط، فلا يزال يشكو ربه ليل نهار، وقلبه مشغول وجوارحه مشغولة في طلب الزيادة، فمثل هذا فقير القلب والنفس، من هنا جاء الأساس الثالث ليكتمل بذلك مثلث الفلاح " وقنعه الله بما آتاه" ومعني قنعه أي صيّره قانعا ولعل التضعيف أي تشديد النون في قوله وقنعه هو إيماء إلى بُعد هذا الوصف عن طبع الإنسان، فمن حاول إزالتها يحتاج إلى مبالغة في ذلك، لأن الطبع البشري مائل إلى الإستكثار من الدنيا والحرص عليها إلا من عصم الله، وقليل ما هم.

وكأن المعنى وجعله الله بخفي ألطافه قانعا بما أعطاه من الكفاف، وقال القرطبي معنى الحديث أن من حصل له ذلك فقد حصل على مطلوبه وظفر بمرغوبه في الدارين، ووجه كون القناعة سببا للفلاح أنها تمنع صاحبها من الوقوع في الظلم، والتطاول على الأموال المحرمة، وبسبب ذلك يخلك كثير من الناس كما مشاهد في الواقع المعاش، وأن الطامع وهو عكس القانع، فكلما حصل على شيء من أمور الدنيا طلب غيره، فنفسه فقيرة أبدا حتى يقبض ملك الموت روحه وهو على تلك الحالة الخبيثة، من غير إستعداد للموت ولا تأهب له، وفي ذلك خسران مبين، اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، ونسألك شكرَ نعمتك، وحسن عبادتك، ونسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم، والله الموفق والمعين، وصلي اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.