
بـقـلـم سـامـي بـوادي
تَسْتَنِدُ العَمَلِيَّةُ الاِنْتِخَابِيَّةُ —وِفْقًا لِأَحْكَامِ
الدُّسْتُورِ وَالقَانُونِ— إِلَى مَبْدَإِ التَّعْبِيرِ الحُرِّ عَنِ الإِرَادَةِ الشَّعْبِيَّةِ دُونَ ضَغْطٍ أَوْ تَوْجِيهٍ أَوْ تَأْثِيرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ. وَمِنْ ثَمَّ، فَإِنَّ أَيَّ مُحَاوَلَاتٍ تَهْدِفُ إِلَى التَّأْثِيرِ عَلَى أَصْوَاتِ النَّاخِبِينَ، سَوَاءٌ مِنْ خِلَالِ الحَشْدِ المَدْفُوعِ، أَوِ اسْتِغْلَالِ الظُّرُوفِ الاِقْتِصَادِيَّةِ لِبَعْضِ المُوَاطِنِينَ، أَوْ تَوْظِيفِ المَالِ السِّيَاسِيِّ فِي اسْتِمَالَةِ النَّاخِبِينَ، تُعَدُّ انتِهَاكًا صَارِخًا لِمَبَادِئِ النَّزَاهَةِ وَالشَّفَافِيَّةِ وَتَكَافُؤِ الفُرَصِ بَيْنَ المُرَشَّحِينَ.
وَفِي إِطَارِ التَّصَدِّي لِهَذِهِ المُمَارَسَاتِ، يُصْبِحُ رَفْضُ شِرَاءِ الأَصْوَاتِ وَالتَّأْكِيدُ عَلَى ضَرُورَةِ اخْتِيَارِ المُرَشَّحِينَ بِنَاءً عَلَى مِعْيَارِ الكَفَاءَةِ وَالقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الدَّوْرِ النِّيَابِيِّ لَا عَلَى النُّفُوذِ المَالِيِّ —أَمْرًا جَوْهَرِيًّا— لِضَمَانِ سَلَامَةِ العَمَلِيَّةِ الاِنْتِخَابِيَّةِ. وَيَقَعُ عَلَى الهَيْئَةِ الوَطَنِيَّةِ لِلاِنْتِخَابَاتِ وَاجِبُ اتِّخَاذِ إِجْرَاءَاتٍ عَاجِلَةٍ، وَرِقَابَةٍ مَيْدَانِيَّةٍ فَعَّالَةٍ، لِمُوَاجَهَةِ مُمَارَسَاتِ الحَشْدِ المَدْفُوعِ، وَالحَدِّ مِنْ ظَاهِرَةِ شِرَاءِ الأَصْوَاتِ، وَمِنْهَا وَقْفُ تَجْمِيعِ بَطَاقَاتِ الرَّقْمِ القَوْمِيِّ فِي نِقَاطٍ مُشْبُوهَةٍ؛ لِمَا تَمْثِّلُهُ هَذِهِ الأَسَالِيبُ مِنْ تَهْدِيدٍ مُبَاشِرٍ لِنَزَاهَةِ الاِنْتِخَابَاتِ.
كَمَا أَنَّ المَحْكَمَةَ الإِدَارِيَّةَ العُلْيَا، بِحُكْمِ وِلَايَتِهَا القَضَائِيَّةِ بِاعْتِبَارِهَا قَاضِيًا لِلطَّعْنِ عَلَى القَرَارَاتِ الاِنْتِخَابِيَّةِ، تَمْلِكُ سُلْطَةَ إِصْدَارِ أَحْكَامٍ بِإِلْغَاءِ النَّتِيجَةِ مَتَى ثَبَتَ وُقُوعُ:
أَخْطَاءٍ جَسِيمَةٍ فِي العَمَلِيَّةِ الاِنْتِخَابِيَّةِ.
شِرَاءِ أَصْوَاتٍ.
دَفْعِ رَشَاوَى اِنتِخَابِيَّةٍ.
تَجَاوُزَاتٍ مِنْ شَأْنِهَا التَّأْثِيرُ فِي سَلَامَةِ النَّتِيجَةِ أَوْ تَغْيِيرُ إِرَادَةِ النَّاخِبِينَ.
وَفِي حَالِ ثُبُوتِ ذَلِكَ، تَقْضِي المَحْكَمَةُ —وِفْقًا لِمَبْدَإِ سِيَادَةِ القَانُونِ وَحِمَايَةِ الحَقِّ الاِنْتِخَابِيِّ— بِإِعَادَةِ العَمَلِيَّةِ الاِنْتِخَابِيَّةِ فِي الدَّائِرَةِ بِالكَامِلِ، ضَمَانًا لِإِرَادَةِ نَاخِبِينَ حُرَّةٍ غَيْرِ مَشُوبَةٍ بِأَيِّ مُؤَثِّرَاتٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ.
وَفِي النِّهَايَةِ، يَبْقَى صَوْتُ النَّاخِبِ هُوَ الرَّكِيزَةَ الأُولَى لِصَوْنِ الإِرَادَةِ الشَّعْبِيَّةِ وَتَرْسِيخِ دَوْلَةِ القَانُونِ. وَإِنَّ رَفْضَ بَيْعِ الصَّوْتِ، أَوِ السَّمَاحَ بِالتَّأْثِيرِ عَلَى الإِرَادَةِ الحُرَّةِ، هُوَ وَاجِبٌ وَطَنِيٌّ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا قَانُونِيًّا؛ فَالصَّوْتُ الَّذِي يُبَاعُ اليَوْمَ يُثْمِرُ غَدًا فِي هَيْئَةِ خَدَمَاتٍ غَائِبَةٍ، وَحُقُوقٍ مُهْدَرَةٍ، وَتَمْثِيلٍ لَا يُعَبِّرُ عَنْ أَهْلِ الدَّائِرَةِ وَلَا يَنْهَضُ بِمَصَالِحِهِم.
وَلِذَلِكَ، فَإِنَّ اخْتِيَارَ مُرَشَّحِ الدَّائِرَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارًا وَاعِيًا، مَبْنِيًّا عَلَى كَفَاءَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى حَمْلِ هُمُومِ المُوَاطِنِينَ وَالدِّفَاعِ عَنْ مَصَالِحِهِمْ تَحْتَ قُبَّةِ البَرْلَمَانِ؛ فَهُوَ الَّذِي سَيُحَدِّدُ —طِوَالَ مُدَّةِ الدَّوْرَةِ البَرْلَمَانِيَّةِ— مُسْتَوَى اسْتِقْرَارِ الدَّائِرَةِ وَرَفَاهِيَّتِهَا وَخَدَمَاتِهَا، وَسَيَكُونُ صَوْتُهُ وَخِطَابُهُ وَمَوَاقِفُهُ اِنْعِكَاسًا مُبَاشِرًا لِطُمُوحَاتِ أَهْلِهَا وَآمَالِهِمْ.
فَلْيَتَمَسَّكْ كُلُّ نَاخِبٍ بِحَقِّهِ فِي اخْتِيَارِ مَنْ يَسْتَحِقُّ، وَلْيَرْفُضْ كُلَّ مُحَاوَلَةٍ لِشِرَاءِ إِرَادَتِهِ؛ فَالأَوْطَانُ لَا تُبْنَى بِالمَالِ السِّيَاسِيِّ، بَلْ تُبْنَى بِإِرَادَةٍ وَاعِيَةٍ وَصَوْتٍ حُرٍّ نَزِيهٍ لَا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ.
إضافة تعليق جديد