بقلم : سعيد نصر
لدى قناعة تامة بأن الداخلية ستخسر معركتها مع الصحافة والاعلام ، برغم حشد البلطجية أمام النقابة وعلى مقربة منها ، وعلى مرأى ومسمع من أجهزة أمنية ، وربما بتحريض منها للاساءة إلى الصحفيين باشارات وايماءات وألفاظ وسلوكيات وتصرفات مشينة ، تعكس جانبا من الثقافة السياسية لنظام الحكم فى "مصر الحديثة !"
ولم تهتز قناعتى فى تحقيق ذلك ، برغم المليشيات والكتائب الالكترونية المؤيدة للرئيس السيسى على مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك .. توتيتر .. إلخ " ، وهى مليشيات لا تفرق فى " السب والشتم والردح " بين مؤيدى الرئيس السيسى ومعارضيه ، هكذا كما يفعل البلطجية فى الاساءة للصحفيين أمام نقاباتهم ، حيث قاموا بالتعدى بالضرب على الزميل خالد داود ، وبالتعدى اللفظى على الزميل ياسر رزق ، وبالتطاول اللفظى على السياسى المناضل حمدين صباحى ، غير مبالين أن الثلاثة كحال الصحفيين جميعا كان لهم الدور الحاسم فى اسقاط حكم مرسى والاخوان وتثبيت أركان شرعية حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى .
وبحسب تقديرى ونظرتى للأمور ، فإن أكبر مكسب شعبى مما حدث حتى الآن ، هو انكشاف حقيقة أمر ما تسميهم الداخلية فى بياناتها بـ "المواطنين والأهالى الشرفاء" ، فقد تبين للقاصى والدانى وبالأدلة والبراهين الدامغة ، أن بينهم بلطجية مأجورين ، وقد انعكست تصرفاتهم بالسلب على النظام وعلى الرئيس السيسى نفسه ، ويرجع ذلك لغباء من يحركهم ، وعدم إدراكه للتداعيات الخطيرة لما يفعله ، خاصة وأن تصرفات وسلوكيات هؤلاء رآها عن قرب كل الصحفيين على مختلف انتماءاتهم السياسية ، والذين يجمعهم جميعا الانتماء للوطن وحب الوطن .
تلك التصرفات البلهوانية القذرة والقبيحة والمشينة ، كان البعض يتقبلها عند استخدامها فى مواجهة مظاهرات ارهابيين يدعون السلمية ، ولكن لايمكن قبولها فى التعامل مع متظاهرين هم فى الأصل مسالمين " كالأطباء والصحفيين و .... " ، والعجيب أن "المخرج الأمنى" لمسلسل "الحشد البلطجى " ، قد فعل ذلك من قبل مع الأطباء ، وليس لديه ما يمنعه من تكرار ما يفعله مع كل فئات المجتمع المسالمة بمجرد تظاهرها ضد سياسات الداخلية أو سياسات النظام ، وذلك لعدم إدراكه لمخاطر ما يفعله على النسيج الاجتماعى المصرى .
ولعل أخطر نتائج هذا المسلسل الأمنى "الحمضان" ، هى أنه يخلق مجتمعا مشوها ، تنظر جميع فئاته لبعضها البعض على أنها تعمل على تخريب البلد ، برغم أن ذلك مخالف تماما للحقيقة والواقع ، وللأسف الشديد أن هناك خطاب رئاسى يدفع فى ذلك الاتجاه بعبارات فضفاضة وغامضة ، منها "قوى الشر .. والأشرار " ، وأخطر ما فيها أن البسطاء والطيبين فى مصر يفسرونها على أنهم كل فرد ينتقد سياسة الرئيس السيسى حتى ولو كان مؤمنا بشرعيه حكمه وبشرعية نظام حكمه ، وهو منطق يغزيه أبواق النظام فى كل الوسائط الاعلامية ، دون أدنى إدراك لتداعياته الكارثية على النسيج الاجتماعى للدولة المصرية.
ولا أخفيكم سرا ، أننى مندهش لأبعد الحدود مما فعلته الداخلية ، فهى تعمل ، ربما عن قصد ، وربما عن غير قصد ، فى خلق أعداء جدد للنظام ، خاصة وأن معظم الصحفيين كانوا ولا يزالون مع النظام قلبا وقالبا ، مع الأخذ فى الإعتبار مخاوف النظام من المظاهرات على سلالم نقابة الصحفيين ، خاصة وأنها كانت بداية مظاهرات اسقاط نظام مبارك فى 25 يناير 2011.
خلاصة القول ، أن الحكمة تقتضى من الطرفين التعامل مع الأزمة بمنتهى المسئولية الوطنية للخروج بحلول وسط ، شرط أن تحفظ هذه الحلول للنقابة هيبتها ، مع التأكيد هنا على أن الصحفيين اكثر فئات المجتمع حرصا على هيبة وزارة الداخلية ، شرط أن تكون هيبة ناتجة عن احترام القانون والمساواة بين الجميع أمامه ، وليس هيبة مردها الموروث الثقافى المعروف بـ " نحن الاسياد وانتم العبيد!".
إضافة تعليق جديد