رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 23 يناير 2025 4:36 م توقيت القاهرة

رفع الأمانة من قلوب الرجال

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والشكر له على ما أولانا من واسع كرمه وفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدى من هدى بفضله، وأضل من أضل بحكمته وعدله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى من جميع خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وصحبته، وسلم تسليما ثم أما بعد إن ضياع الأمانة من علامات الساعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال متي الساعة ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال " أين السائل عن الساعة؟ قال ها أنا يا رسول الله، قال "إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة" قال كيف إضاعتها يا رسول الله؟ 

قال " إذا وُسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " رواه البخاري، إنه مؤشر خطير ودقيق على ضياع أساس الصلاح في النفوس، فماذا يبقى للناس إذا فقدوا الأمانة بينهم؟ فخانوا الله في دينهم، وخانوه في أعمالهم، وخانوه في حوائج الناس الذين استأمنوهم على قضائها، لقد أصبح فئام من مجتمعنا بعد أن إسترعاهم الله على بعض أمورنا يتفننون في التهرب من أداء أمانتهم الملقاة على عواتقهم ويتباهون بأخذ رواتبهم من غير تعب ولا نصب، بل ويجاهرون بتحصيل الأموال الطائلة في تجارتهم بالغش والتحايل، وإن كل واحد منكم استرعاه الله على رعية أو عمل فهو في رقبته أمانة يسأل عنها أمام الله يوم القيامة، فالشعب أمانة في يد الزعماء، والدين أمانة في يد العلماء، والعدل أمانة في يد القضاة، والحق أمانة في يد المحامين، والصدق أمانة في يد الشهود، والمرضى أمانة في يد الأطباء.

والمصالح أمانة في يد المستخدمين، والتلميذ أمانة في يد الأستاذ، والمصلون أمانة في يد العاملين بالمسجد، والولد أمانة في يد أبيه، والوطن أمانة في عنق الجميع، فبادر بذلك يا عبدالله حتى لا تقع في زمرة الخائنين وتحمل الأمانة على عاتقك في الآخرة حتى تؤديها لصاحبها، فعن عبد الله بن مسعود، قال "القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، قال يؤتى بالعبد يوم القيامة، وإن قتل في سبيل الله فيقال أد أمانتك، فيقول أي رب، كيف وقد ذهبت الدنيا؟ قال فيقال انطلقوا به إلى الهاوية، فينطلق به إلى الهاوية، ويمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه، فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظن أنه خارج زلت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين، ثم قال الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، 

وأشياء عددها، وأعظم ذلك الودائع" فأتيت البراء بن عازب فقلت ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال كذا قال صدق أما سمعت يقول الله " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" فالشهادة أعلى المراتب ومع ذلك لم تشفع ولم تغن عن الأمانة، ولقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بضياع الأمانة تدريجيا حتى يمحى أثرها من قلوب الرجال، ويعنيـنه  يبقى في قلب الرجل أثرا يسيرا للأمانة، وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فأين الأمانة اليوم؟ فإنك لو جئت وغربلت الناس لتخرج الصالح من الطالح لما وجدت في الغربال شيئا إلا حثالة، وهذا ما أنبأنا به النبي صلى الله عليه وسلم، والحثالة هم سفلة الناس وغوغاؤهم، وقوله عليه الصلاة والسلام " مرجت عهودهم" أي إختلطت عهودهم وفسدت، وضيّعها أصحابها.

وقد دلت الآثار على أن رفع الأمانة من قلوب الرجال يُعد من أوائل مظاهر الخلل في بنيان المجتمعات، وبداية الإنحراف والتغيير في قيمها وأخلاقها، وشاهد ذلك من بطون السنّة ما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة"

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.