رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الثلاثاء 22 أبريل 2025 1:07 ص توقيت القاهرة

بروتوكولات حكماء صهيون... بين الوعي والمؤامرة

بقلم د/سماح عزازي

منذ ظهرت إلى العلن، كانت "بروتوكولات حكماء صهيون" مثار جدل واسع بين مؤيد يرى فيها خطة صهيونية شيطانية للسيطرة على العالم، ومعارض يعتبرها محض تلفيق لا أساس له من الصحة. وبين الفريقين يقف فريق ثالث يرى أن الحقيقة لا تقاس بصحة الوثيقة بقدر ما تقاس بمدى تحقق ما ورد فيها على أرض الواقع.

ظهرت البروتوكولات لأول مرة عام 1903 في صحيفة روسية، ثم تُرجمت إلى لغات عدّة، أبرزها الفرنسية والإنجليزية، وذاع صيتها في الأوساط السياسية والفكرية، حتى أن هتلر نفسه جعلها جزءًا من أدبياته، بينما اعتبرها البعض دعاية مضادة للسامية تهدف إلى تشويه صورة اليهود.

ومع الجدل المستمر حول صحة الوثيقة أو زيفها، لا يمكن إنكار أن كثيرًا مما ورد فيها تحقق، أو يسير في طريقه إلى التحقق؛ مما يدفعنا إلى ضرورة قراءتها قراءة نقدية، وتحليل مضامينها بروح الباحث لا المتعصب.

المنشأ والخلفية: الظهور الأول نُشر لأول مرة في روسيا عام 1903، ونُسب إلى الشرطة السرية القيصرية (الأوخرانا) بأنها وراء فبركته.

الاتهام بالفبركة كثير من الباحثين والمؤرخين يرون أن الكتاب مزوَّر، ويعود في بنيته وأسلوبه إلى رواية فرنسية ساخرة من القرن التاسع عشر عنوانها حوار في الجحيم بين ميكافيلي ومونتسكيو.

الهدف السياسي كان الهدف من نشره في روسيا تحريض الشعب ضد اليـ، هود، وصرف الأنظار عن الأزمات السياسية والاجتماعية المتصاعدة آنذاك.

ما هي بروتوكولات حكماء صـ، هيون؟ هي مجموعة من الوثائق يُقال إنها محاضر سرّية لاجتماعات عُقدت بين قادة الحركة الصـ، هيونية، يضعون فيها تصوّرًا شاملًا لكيفية السيطرة على العالم عبر وسائل متعددة: المال، الإعلام، الانقلابات، التلاعب بالديمقراطية، إثارة الفتن، وتفكيك القيم الروحية للمجتمعات. تتكوّن البروتوكولات من 24 بندًا أو فصلًا، يحمل كل منها جانبًا من جوانب هذه المؤامرة.

محتوى الكتاب:
 يتضمن الكتاب 24 بروتوكولاً تُظهر خطة مزعومة لليـ، هود من أجل: تدمير الأديان وخاصة المسيحية والإسلام. إسقاط الأخلاق العامة وإشاعة الإباحية. السيطرة على الاقتصاد العالمي من خلال البنوك. فرض نظم تعليمية منحطة. تفكيك الأسرة وتخريب القيم المجتمعية. السيطرة على وسائل الإعلام والتحكم في الرأي العام. تأسيس حكومة يهودية عالمية.

تتكون البروتوكولات من أربعة وعشرين بندًا، تمثل وفق ما زُعم محاضر الاجتماعات السرية لزعماء الحركة الصهيونية، وهي تتناول وسائل السيطرة على العالم سياسيًا واقتصاديًا وفكريًا.

فيما يلي عرض موجز وتحليل لأبرز ما ورد في هذه البروتوكولات:

1. البروتوكول الأول: يدعو إلى استبدال أنظمة الحكم القائمة بالفوضى والثورات، من أجل إعادة تشكيل العالم وفق رؤية النخبة الصهيونية.

2. البروتوكول الثاني: يشير إلى ضرورة السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيه الرأي العام، من خلال الصحف والمجلات والكتب.

3. البروتوكول الثالث: يرى أن الديمقراطية تمنح السلطة للغوغاء، وأن على النخبة استخدام الأزمات الاقتصادية لإضعاف الدول.

4. البروتوكول الرابع: يدعو إلى إشغال الشعوب بالماديات واللهو، وإبعادهم عن التفكير الجاد أو العمل الثوري الحقيقي.

5. البروتوكول الخامس: يركز على إشاعة الفوضى الأخلاقية، وهدم القيم الأسرية والدينية، كمقدمة لفرض الهيمنة الفكرية.

6. البروتوكول السادس: يتحدث عن ضرورة التحكم بالاقتصاد العالمي من خلال القروض والبنوك وسوق الأوراق المالية.

7. البروتوكول السابع: يشير إلى استخدام الحروب والنزاعات كوسيلة لإضعاف الدول الكبرى وتفكيك التحالفات الدولية.

8. البروتوكول الثامن: يتحدث عن السيطرة على التعليم وإفراغ المناهج من القيم، وتحويل الجامعات إلى مؤسسات لتخريج المطيعين.

9. البروتوكول التاسع: يؤكد أهمية زرع العملاء في مواقع النفوذ، والتحكم في مفاصل الدولة من الداخل.

10. البروتوكول العاشر: يدعو إلى تزييف الوعي الشعبي من خلال انتخابات صورية وديمقراطيات وهمية.

11. البروتوكول الحادي عشر: يشير إلى خطة طويلة الأمد لإقامة حكومة عالمية خفية، تدير العالم من وراء الستار.

12. البروتوكول الثاني عشر: يتحدث عن تدمير الإيمان بالوحي السماوي، وإبداله بالفكر المادي والعقلانية المتطرفة.

13. البروتوكول الثالث عشر: يوصي بنشر الفنون الهابطة، وتعميم الانحلال الأخلاقي باسم الحرية.

14. البروتوكول الرابع عشر: يهاجم الأديان، ويخطط لتشويه رجال الدين وتقويض هيبتهم.

15. البروتوكول الخامس عشر: يؤكد أهمية إشعال الصراعات الطائفية والدينية لإضعاف المجتمعات من الداخل.

16. البروتوكول السادس عشر: يهدف إلى إفراغ التعليم من مضمونه الحقيقي، وتحويله إلى وسيلة للسيطرة لا للتحرير.

17. البروتوكول السابع عشر: يتحدث عن زرع الشك بين الشعوب وقادتها، وتشويه صورة الرموز الوطنية.

18. البروتوكول الثامن عشر: يدعو إلى استغلال الحركات الثورية وتوجيهها بما يخدم أهداف النخبة.

19. البروتوكول التاسع عشر: يؤكد على أهمية خلق الأزمات المستمرة لإبقاء الشعوب في حالة خوف وقلق دائم.

20. البروتوكول العشرون: يتحدث عن فرض الضرائب الباهظة كوسيلة لإخضاع الشعوب وإفقار الطبقات الوسطى.

21. البروتوكول الحادي والعشرون: يوصي بالتحكم في البنوك المركزية وتحديد أسعار الفائدة بما يخدم مصالحهم.

22. البروتوكول الثاني والعشرون: يتحدث عن استخدام الذهب كوسيلة لضبط الاقتصاد العالمي وإسقاط الدول المدينة.

23. البروتوكول الثالث والعشرون: يدعو إلى حكم استبدادي مركزي باسم العدالة والنظام.

24. البروتوكول الرابع والعشرون: يتحدث عن الملك المنتظر الذي سيحكم العالم باسم داوود، ويعيد مجد بني إسرائيل.

بين الحقيقة والخرافة 
جدل المؤرخين يرى بعض الباحثين أن البروتوكولات مجرد خرافة أدبية ظهرت أول مرة في روسيا القيصرية سنة 1903، بهدف التحريض ضد اليـ، هود. بينما يؤكد آخرون – مستندين إلى تكرار بنودها في ممارسات واقعية – أنها تعبّر عن روح الفكر الصـ، هيوني، إن لم تكن وثيقة حقيقية فهي بالتأكيد تجسيد لمنهج واضح.

الموقف الإسلامي من المؤامرة اليـ، هودية
 القرآن الكريم يكشف بوضوح عن طبيعة بني إسرائيل، وحقدهم الدفين على الأنبياء والشعوب، كما جاء في قوله تعالى: "كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادًا والله لا يحب المفسدين" [المائدة: 64].

ويقول سبحانه: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا" [المائدة: 82].

وفي السنة النبوية، يحدّثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن طبيعة اليهود في أحاديث كثيرة منها: "يقاتلكم اليهود، حتى يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله." (رواه البخاري).

إن الشريعة الإسلامية لا تدعو إلى الكراهية العمياء، لكنها تحذّر من التآمر الممنهج، وتدعو إلى الحذر، والوعي، والاستعداد، لأن العدو – وإن تنكر – لا يزال يعمل في الخفاء والعلن.

الموقف العالمي:
 محاكم ونقاشات: تم التحقيق في صحة البروتوكولات في محاكم عدة، مثل محكمة برن في سويسرا سنة 1935، والتي حكمت بأنها "مزوّرة".

رغم ذلك، ظل الكتاب يُستخدم في دعايات معادية لليهود، خاصة في ألمانيا النازية والعالم العربي.

الدول الغربية و"إسـ، رائيل" تصفه بأنه وثيقة معادية للسامية ومزيفة تمامًا

الموقف العربي :
 انتشر بشكل واسع، ولا يزال يُطبع ويُقرأ بكثرة. الكثير من المفكرين العرب رأوا في البروتوكولات تفسيرًا لما يجري في الواقع من سيطرة صـ، هيونية على الإعلام والبنوك والسياسة العالمية. ظهرت أعمال درامية مقتبسة منه، مثل مسلسل "الفرسان" و"فارس بلا جواد" الذي مثّله محمد صبحي، وأثار ضجة كبيرة.

المؤامرة لا تموت
 سواء كانت "بروتوكولات حكماء صهيون" وثيقة حقيقية أم خيالًا منظمًا، فإننا نعيش اليوم في عالم تتجسّد فيه مضامينها بندًا بندًا. من هيمنة المال والإعلام، إلى تآكل القيم وتفكك الدول، إلى تسويق الرذيلة وتشويه الهوية… نحن أمام مشروع حقيقي لمحو الوعي، وتمرير الخديعة الكبرى. والمسؤولية الآن تقع علينا: وعيًا، وقراءة، واستعدادًا للمواجهة.

لكنها تظل محل جدل كبير بين من يراها وثيقة تاريخية سرّية، ومن يراها أكذوبة فبركتها الأنظمة لتبرير معاداة اليهود

بين الوعي والمؤامرة... خيار أمة:
قد يكون من السهل نفي البروتوكولات أو إثبات زيفها، لكن الأصعب هو تفسير هذا التوافق العجيب بين ما ورد فيها وما نشهده في عالم اليوم من انحدار قيمي، وفوضى أخلاقية، وهيمنة إعلامية، واستلاب اقتصادي، وتفكك اجتماعي.

القضية ليست في صحة الوثيقة من عدمها، بل في طريقة تفكير أعدائنا وطموحاتهم التي لم تعد خفية. والرد لا يكون بالاستسلام أو التهويل، بل بالوعي، والتمسك بالثوابت، وإعادة بناء الذات على أسس راسخة من الإيمان والعلم والعمل.

لقد كشفت هذه البروتوكولات عن عقلية يهودية نخبوية لا ترى في البشر سوى عبيد، ولا في الأديان سوى عقبات، ولا في العالم سوى حقل تجارب للفتن والسيطرة، وهي عقلية تتصادم تمامًا مع ما دعا إليه الإسلام من عدل ورحمة وإنصاف.

ومع ذلك، فإن الإسلام لا يدعو إلى التهويل ولا إلى الاستسلام، بل يضع في يد الأمة مفاتيح المواجهة:

الوعي: أول أسلحة المقاومة، فالشعوب الواعية لا تُخدع بالإعلام، ولا تنساق وراء العبارات البراقة.

التحصين العقائدي: فالإيمان القوي والتمسك بالحق يعصم من الفتن والانحرافات.

وحدة الصف: إذ لا يمكن أن تنهض الأمة وأفرادها ممزقون بين الطوائف والأجندات.

الإصلاح السياسي والاقتصادي: للخروج من هيمنة النظام العالمي الربوي الاستغلالي.

دعم القضية الفلسطينية: باعتبارها خط الدفاع الأول في مواجهة المشروع الصهيوني العالمي.

إن معركتنا اليوم ليست فقط مع إسرائيل ككيان مغتصب، بل مع شبكة أوسع من المؤسسات، والنظم، والعقول، التي تدير العالم لصالح طبقة محدودة تدّعي لنفسها الحق في التحكم بمصير البشرية. وهذه المعركة لا تُحسم بالسلاح وحده، بل بإعادة بناء الإنسان المسلم ورفع وعيه وتمكينه علميًا واقتصاديًا وأخلاقيًا.

فالوعي سلاح، والمعرفة قوة، والتاريخ لا يرحم الغافلين.

الهدف من المقال التوعية والتحليل
المقال لا يسعى لإثبات صحة الوثيقة أو بطلانها حرفيًا، بل يستعرض كيف أن ما ورد فيها (سواء كانت حقيقية أو لا) نراه واقعًا، وهذا مدخل مختلف عن القراءة التاريخية البحتة.

وإذا كان اليهود، وفق زعم البروتوكولات، يخططون لمئة عام، فعلينا نحن أن نخطط لما هو أبعد، بعقل مؤمن، وعزم صادق، وتخطيط حكيم.

"ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" (الأنفال: 30)

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.