رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 6 يوليو 2025 10:17 ص توقيت القاهرة

الهزيمة الساحقة بالمغول

 
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي جعل حب الوطن أمرا فطريا والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رسولا ونبيا وعلى آله وصحابته والتابعين لهم في كل زمان ومكان، أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن دولة المماليك في مصر، وذكرت المصادر التاريخية أن السلطان قلاوون عندما قام بالقضاء علي الثورات التي أقيمت ضده وانتصر عليها قام بإنشاء، في سنة ستمائة واحد وثمانين من الهجرة، طائفة المماليك الشراكسة، وهو عنصر جديد من أصل قوقازي، يعيش في القسم الشمالي الغربي لبلاد القوقاز وفي قسم من الشاطئ الشرقي للبحر الأسود إلى أطراف بلاد الأبخاز جنوبا، تميز هذا العنصر بميزتين إنخفاض ثمنه بالمقارنة مع غيره من فئات المماليك الترك، ووفرة أعداده في الأسواق، وظل قلاوون يعمل على الإكثار من شراء هذا العنصر. 

حتى أضحى عددهم ثلاثة آلاف وسبعمائة في أواخر أيامه، وأنزلهم في أبراج قلعة القاهرة، لذلك عرفوا بالمماليك البرجية، غير أن لفظ الشركس أو الجركس لم يطلق عليهم إلا بعد عدة سنوات، وقدر لهؤلاء أن يكون لهم شأن كبير في تاريخ مصر وسائر بلاد الشرق الأدنى في القرون اللاحقة، وبعد أن تخلص السلطان قلاوون من الأخطار الداخلية التي واجهته، بدأ ينصرف نحو المغول والصليبيين الذين ما فتئوا يهددون الشام بين فينة وأخرى، وكان آباقا خان قد أرسل في سنة ستمائة وتسع وسبعين من الهجرة، قوة إحتلت بعض القلاع في شمال الشام، ثم رحلت إلى حلب فدخلتها وأحرقت جوامعها ومدارسها وقتلت الكثير من أهلها، قبل أن تسرع بالعودة إلى قواعدها بالعراق ما أن وصلها أن قلاوون خرج إلى غزة في طريقه إليهم لمنازلتهم. 

إستغل الصليبيون فرصة إغارة المغول على شمال الشام وحاولوا إسترداد حصن الأكراد من المسلمين، لكن محاولتهم باءت بالفشل، غير أن تلك المحاولة نبهت السلطان قلاوون إلى الخطر الذي يحيق به نتيجة تحالف أعدائه المغول والصليبيين، لذلك أخذ يتبع سياسة جديدة تستهدف التفرقة بين خصومه وعدم تمكينهم من الإتحاد ضد المسلمين ليتمكن من منازلة كل منهم على حدة، فعقد صلحا مع القوى الصليبية الرئيسية في الشام لمدة عشر سنوات، ثم حول أنظاره ناحية المغول لضربهم ضربة موجعة، وكان أن خرج آباقا بنفسه إلى الشام على رأس جيش كبير من المغول في سنة ستمائة وثمانين من الهجرة، وسار معه ليون الثالث ملك أرمينية الصغرى، وفي موقعة حمص التي دارت بين المسلمين والمغول وذلك في اليوم الرابع عشر من شهر رجب من سنة ستمائة وثمانين من الهجرة، حلت الهزيمة ساحقة بالمغول وولوا الأدبار إلى العراق. 

بعد أن هلك منهم خلق كثير، وما دام السلطان قلاوون قد أحرز هذا النصر على المغول، فإنه رأى أن ينتهز الفرصة لينزل ضربته الثانية بالصليبيين على الرغم من أنه كان قد عقد معهم صلحا لمدة عشر سنوات كما أسلف، ولم تنقض منها سوى أربع سنوات فقط، ففي سنة ستمائة وأربعة وثمانين من الهجرة، هاجم قلاوون الإسبتارية في حصن المرقب وهو من أخطر الحصون الصليبية بالشام وإستولى عليه فعلا، مما سبب خسارة كبرى للصليبيين، وفي الوقت الذي كان المسلمين يتأهبون للإجهاز نهائيا على الصليبيين بالشام، لم ينتبه الصليبيون إلى حقيقة الخطر الذي يتهددهم، وإستمروا غارقين في منازعاتهم الداخلية، وهي المنازعات التي ميزت تاريخ الصليبيين بالشام في النصف الأخير من القرن الثالث عشر الميلادي. 

وقد إنتهز السلطان قلاوون فرصة إنشغال الصليبيين بتلك المنازعات وأرسل حملة إسترجعت اللاذقية سنة ستمائة وست وثمانين من الهجرة، وهي آخر بلد كان قد تبقى للصليبيين من إمارة أنطاكية، وشاء سوء حظ الصليبيين في تلك الظروف أن يموت بوهيموند السابع أمير طرابلس دون وريث، فقام في إمارته نزاع داخلي حول وراثة الحكم، وإستنجد فريق من المتنازعين بالسلطان قلاوون، وهنا أسرع قلاوون إلى إفتراس الفرصة، فتجهز لأخذ طرابلس، وخرج من مصر على رأس جيشه دون أن يعلن هدفه، وذلك في شهر محرم سنة ستمائة وثماني وثمانين من الهجرة، وكان جيش المسلمين كبيرا يزيد عن أربعين ألف فارس ومائة ألف راجل، فلم تستطع طرابلس مقاومة الحصار الذي فرضه عليها السلطان وسقطت في قبضته بعد أن إحتلها الصليبيون طيلة مائة وثمانون سنة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
1 + 3 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.