المؤمن الضعيف كمثل خامة الزرع

بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم أما بعد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمن القوي كمثل النخلة، ومثل المؤمن الضعيف كمثل خامة الزرع " فهل يخصص قول أبى هريرة رضي الله عنه عموم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قبل الجواب بلاد من إيراد أصل وهو أن الصحابة رضوان االله عليهم جميعا لا يتركون العام ويعملون بخلافه إلا لقرينة ثبتت عندهم وتصلح للتخصيص، فالصحابي أدرى بمراد الشرع وأفهم للمقصود من الدليل، فالأول أنه لا يخصص عموم الحديث ويبقى الحديث على عمومه وهو قول أكثر العلماء من المالكية والشافعية، وبه قال بعض الحنفية. 

وأن العام دليل ظاهر فيما إقتضاه من التعميم، ولم يوجد له ما يصلح أن يكون معارضا له سوى فعل الصحابي وقوله، وهو غير صالح لمعارضته حيث إن فعله غير مستند إلى نص يد على أن المراد بذلك العام الخاص، بل يكون مستندا إلى ما يظنه دليلا أقوى منه، فيحتمل أن يكون دليلا، ويحتمل أن لا يكون دليلا، وبتقدير أن يكون دليلا يحتمل أن يكون أقوى منه، ويحتمل أن لا يكون، وهذه الإحتمالات متساوية، ولا مرجح أما العام فهو دليل لا يحتمل شيئا، فيقدم غير المحتمل على المحتمل، وعليه فلا يقوى قول الصحابي ومذهبه على تخصيص العام، والدليل الثاني هو أن الواقع من الصحابة يشهد بأن قول الصحابي لا يخصص العموم حيث إنه كان الواحد منه إذا سمع العموم من الكتاب والسنة، فإنه يترك قوله ومذهبه من أجل هذا العموم. 

وما نقل عن أحد منهم أنه خص عموما بقول نفسه، فهذا يدل على أن قوله أضعف من عموم كلام الشارع فانظر مثلا إلى ابن عمر، حيث ترك مذهبه لحديث رافع بن خديج في المخابرة، فروي أن ابن عصر قال كنا نخابر أربعين سنة لا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة، فإذا كان ابن عمر قد ترك قوله ومذهبه، وهو من فقهاء الصحابة فغيره أولى بالترك، وقال أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ومذهب الشافعي في القول الجديد، ومذهب أكثر الفقهاء والأصوليين أن مذهب الصحابي إذا كان على خلاف ظاهر العموم، وسواء كان هو الراوي أو لم يكن لا يكون مخصصا للعموم، خلافا لأصحاب أبي حنيفة والحنابلة وعيسى بن أبان وجماعة من الفقهاء. 

ودليله أن ظاهر العموم حجة شرعية يجب العمل بها بإتفاق القائلين، المهذب في علم أصول الفقه المقارن بالعموم، ومذهب الصحابي ليس بحجة على ما سنبينه، فلا يجوز ترك العموم به، فإن قيل إذا خالف مذهب الصحابي العموم فلا يخلو، إما أن يكون ذلك لدليل، لا جائز أن يكون لا لدليل، وإلا وجب تفسيقه والحكم بخروجه عن العدالة، وهو خلاف الإجماع، وإن كان ذلك لدليل وجب تخصيص العموم به جمعا بين الدليلين، إذ هو أولى من تعطيل أحدهما كما علم غير مرة، قلنا مخالفة الصحابي للعموم إنما كانت لدليل عن له في نظره، وسواء كان في نفس الأمر مخطئا فيه أو مصيبا، فلذلك لم نقض بتفسيقه لكونه مأخوذا باتباع اجتهاده وما أوجبه ظنه، ومع ذلك فلا يكون ما عن له في نظره حجة متبعة بالنسبة إلى غيره، بدليل، جواز مخالفة صحابي آخر له من غير تفسيق ولا تبديع، 

وإذا لم يكن ما صار إليه حجة واجبة الإتباع بالنسبة إلى الغير فلا يكون، العموم المتفق على صحة الإحتجاج به مطلقا، والقول الثاني أنه يخصص العموم وهو قول أكثر الحنفية ورواية عن مالك وهو المنقول عن الإمام أحمد وجمهور الحنابلة واختاره أبو يعلى وأبو الخطاب وابن قدامة وهو قول الشافعي في القديم، وقال شيخ الإسلام كما في إقتضاء الصراط المستقيم يجوز تخصيص عموم الحديث بقول الصاحب الذي لم يخالف على إحدى الروايتين، ولعل الأقرب في مسألتنا هذه القول بتخصيص كلام أبى هريرة رضي الله عنه لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث يصير ضرب المثل للنخلة يختص بالمؤمن القوي، وللمؤمن الضعيف الخامة من الزرع منها أن أبا هريرة رضي الله عنه هو راوي الحديث المرفوع الذي يفيد العموم فهو أدرى الناس به.

وأنه لم يثبت مخالفة لتخصيص أبى هريرة رضي الله عنه بين الصحابة فصار ومنها إجماعا سكوتيا ومنها التفاوت الكبير بين النخلة والخامة من الزرع من وجوه كثيرة، والله تعالى أعلم.