رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 17 يوليو 2025 11:41 م توقيت القاهرة

الأيتام والتعليم بين مطرقة القرار الإداري وسندان الوصاية القانونية: أطفال يُحرَمون من حقهم في الدراسة بسبب الأوراق

كتب / صابر محجوب

في ظل الحديث المستمر عن العدالة الاجتماعية وحقوق الطفل، يبرز على السطح ملف إنساني وقانوني بالغ الأهمية لا يزال يُدار بعقلية بيروقراطية جامدة داخل عدد من الإدارات التعليمية، وهو ملف قبول الأطفال الأيتام بالمدارس الابتدائية.

فبينما يفترض أن تكون المدارس حاضنًا تربويًا وإنسانيًا يحتضن هؤلاء الأطفال ممن فقدوا آباءهم في عمر مبكر، نجد أن البعض منهم يُواجه الحرمان من التعليم أو ضياع سنة دراسية كاملة، لا لذنب اقترفوه، بل بسبب إصرار بعض الإدارات التعليمية على اشتراط تقديم قرار وصاية تعليمية، دون مرونة أو مراعاة للواقع الاجتماعي لهؤلاء الأطفال.

الوصاية التعليمية: مطلب قانوني أم وسيلة تعجيزية؟

من حيث الأصل، يُعد قرار الوصاية التعليمية أحد المستندات القانونية التي تنظم من له الحق في التصرف نيابةً عن الطفل اليتيم، وفقًا لقانون الوصاية على المال رقم ١١٩ لسنة ١٩٥٢ وتعديلاته، وهو أمر مقبول في حالة وجود نزاع أو تعارض على من يتولى أمور الطفل، ولكن المشكلة تظهر حينما تُحوَّل هذه الورقة إلى شرط تعجيزي لقبول الطفل بالمدرسة، في الوقت الذي تكون فيه الأسرة (مثل الأم الأرملة) عاجزة عن استخراج القرار بسبب عدم تعاون الأعمام أو غياب مستندات مثل إيصال كهرباء أو شهادة وفاة الجد.

أعباء لا يتحملها الأطفال: من يعوضهم عن سنة ضائعة؟

الواقع أن بعض إدارات التعليم تتعامل مع الطلبات المقدمة من أولياء أمور الأيتام بصورة نمطية غير مرنة، فيتم رفض طلب القيد أو التأجيل، في انتظار صدور قرار الوصاية، وهو إجراء قد يستغرق شهورًا، أو قد لا يكتمل بسبب تعنت بعض الأقارب في تقديم مستنداتهم، مما يضع مستقبل الطفل بين مطرقة الإجراءات وسندان الزمن الضائع.

والسؤال هنا: من المسؤول عن ضياع سنة من عمر طفل بريء؟ ولماذا لا تُتاح آلية مؤقتة لقبوله لحين استكمال المستندات، مثل إقرار الأم أو قرار من الشؤون الاجتماعية؟ وهل يُعقل أن يُحرم طفل من التعليم لمجرد عدم وجود إيصال كهرباء أو شهادة وفاة الجد؟

الحق في التعليم فوق كل اعتبار

إن الدستور المصري في مادته (19) ينص صراحة على أن "التعليم حق لكل مواطن"، وأن التعليم الأساسي إلزامي. كما أن الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي وقعت عليها مصر، تُلزم الدولة بتأمين التعليم دون تمييز أو إعاقة.

فهل يعقل أن تقف البيروقراطية الإدارية عائقًا أمام هذا الحق؟ وهل يجوز أن يتحول موظف في إدارة تعليمية إلى سلطة تقريرية تُقرر مصير طفل يتيم؟

المطلوب: تعديل عاجل للسياسات وإصدار تعليمات وزارية واضحة

نناشد وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني والمجلس القومي للطفولة والأمومة والنيابة العامة (نيابة الأسرة)، بالتدخل العاجل ووضع ضوابط إنسانية مرنة للتعامل مع حالات الأطفال الأيتام، من خلال:

1. قبول القيد المؤقت للأطفال من الأم الأرملة بتعهد رسمي، لحين استكمال المستندات.

2. التنسيق مع الشؤون الاجتماعية لاستخراج ما يلزم من مستندات في حالة وجود معوقات أسرية.

3. إصدار منشور وزاري يلزم الإدارات التعليمية بتيسير إجراءات القيد للأطفال الأيتام.

4. تفعيل دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي بالمدارس لمتابعة الحالات الخاصة.

في الختام: لا تقتلوا الأمل في قلوبهم

إن التعليم ليس مجرد خدمة تُمنح، بل هو حق أساسي لا ينبغي أن يخضع لتقديرات إدارية أو تعقيدات ورقية. وعلى الدولة أن تكون سندًا حقيقيًا لهؤلاء الأطفال، لا أن تقف مكتوفة الأيدي بينما تضيع أعمارهم وأحلامهم بسبب قرار أو مستند لم يُستخرج.
فرجاءً، لا تتركوا الأيتام في العراء.. ولا تقتلوا الحلم على أبواب المدارس.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
8 + 8 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.