الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، ثم أما بعد قيل أن الدنيا دار شقاء ودار التعب، وأن النجاح فيها لا يأتي إلا بالكد والعرق، وإن الإنسان مطالب في هذه الحياة بالإبداع والإبتكار والتقدم والسعي دائما نحو مستقبل أفضل، ولكن لكل ذلك صعوبات ومعوقات، وإن من معوقات الإبداع التي تسبب فقدان العناصر المبدعة هو عدم تمتع القادة بمؤهلات قيادية وإدارية جيدة، ولا شك أن القيادة الإدارية تعتبر أحد أهم العوامل في تطوير المؤسسات لأنها صاحبة الدور الرئيسي في تحفيز العاملين وتوجيههم ودفعهم إلى الأمام ومن المعلوم أن الأفراد تحفزهم قناعاتهم وأفكارهم أكثر مما يحفزهم المال أو العوامل الأخرى وينبغي أن يتمتع القائد والمدير بمؤهلات عديدة.
حتى يحظى بثقة أفراده والعاملين معه وإذا إنعدمت الثقة فإن ذلك يشكل عاملا أساسيا في عدم تماسك الأفراد بل وإحباطهم وعدم إنشدادهم إلى العمل وتطبيق خططه، ومثلا إذا إعتقد المرؤوسون أن رئيسهم وصل إلى منصبه الإداري لإعتبارات غير منطقية لأنه بلا مؤهلات، فإنهم لا يجدون لأفكاره وآرائه قيمة تستحق الإحترام والتقدير خصوصا مع وجود بعض الأفراد من بينهم من يرى نفسه أكفأ وأفضل من الرئيس نفسه، وخصوصا إذا خرج المدير نفسه عن المنطقية وأساء التصرف في إدارة أفراده فإن ذلك سيسبب إنفراط النظام وتنامي التسيب والإحباط وفي هذه الأجواء يموت الإبداع وتنتهي حوافزه، فالرئيس الذي لا يعتبر نجاح موظفيه نجاحا للجميع ويحرص فقط على التفتيش عما يسيء إليهم هو شخص يمارس سياسة هدّامة من حيث يدري أو لا يدري.
ولا يؤهل المؤسسة إلى البقاء فضلا عن التنامي والرقي، وإن من أهم حوافز الإبتكار هو أن يرى العاملون أن العمل الجاد يكافأ وان الفرد الكفوء يحترم ويقدر وبعكسه الكسل والأفراد السلبيين كل يجازى بعمله وهمته بالحق والحكمة، ولكن حينما يلاحظ في بعض المؤسسات أن مؤهلات الإنقياد والخنوع والتزلف هي شروط أساسية للجزاء بالحسنى، والجدية والهمة والإخلاص مع إحترام النفس وحفظ الكرامة تؤدي إلى المعاناة فإنه يبدأ العد التنازلي للعمل وللمؤسسة لأن طول اللسان والتردد على المسؤولين وإبداء المزيد من المجاملات الفارغة ستكون هي الطريقة الأقصر والأسهل والأكثر أمنا للوصول إلى المناصب العالية، وهذا أسلوب لا يجيده كل أحد بل لا يحسنه أولئك الذين يحترمون أنفسهم ويحبذون التقدير بالإستحقاق.
ولذا فإن حنكة المدير يجب أن تميز بين الأفراد المتزلفين والآخرين الكفوئين حتى تحافظ على مستويات عالية من الإبداع والخلاقية وإلا فإنها ستكون قد ساهمت في هدم المؤسسة من حيث لا تعلم، ولنعلم جميعا أن الإبتكار نوع من الخروج على المألوف لذا فإنه قد يتعارض مع التقاليد والأعراف والقيم الإجتماعية السائدة مما يسبب للمبتكرين المتاعب والأزمات، ومعظم المبدعين والعلماء والمفكرين لاقوا أشد الصعوبات في مجتمعاتهم العامة والخاصة لأنهم خالفوا المألوف أحيانا، ولا زال الكثير من الناس يتصور أن الحكمة والحنكة والمهارة والإبداع تتنزل على الإنسان حينما يتقدم به السن ويبلغ من العمر عتيا، أما مرحلة الشباب فهي مرحلة الصباوة وعدم النضج ولعل هذه من أبرز السمات الظاهرة في المجتمعات المستبدة أو التي تتغلب فيها العادات والتقاليد.
ومع أن هذه قد تصح عند البعض إلا أنها ليست قاعدة كلية يمكن الإعتماد عليها دائما، كما ليس إقتران الشباب بالصباوة وقلة الخبرة والنضج قاعدة كلية يمكن الإعتماد عليها دائما، بل ينبغي أن يلاحظ الفرد مع حكمته ومنطقيته وقوة تفكيره وخبرته كان شابا أم كهلا أو شيخا كبيرا، ما دامت الكفاءة الواقعية هي المعيار.
إضافة تعليق جديد