الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد، لقد كان رسول الله المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم زاهدا فكان زهده صلى الله عليه وسلم زهد من علم فناء الدنيا وسرعة زوالها وقلة زادها وقصر عمرها، وبقاء الآخرة وما أعده الله تعالي لأوليائه فيها من نعيم مقيم وأجر عظيم وخلود دائم، فرفض صلى الله عليه وسلم الأخذ من الدنيا إلا بقدر ما يسدّ الرمق ويقيم الأود، مع العلم أن الدنيا عرضت عليه وتزيّنت له وأقبلت إليه، ولو أراد جبال الدنيا أن تكون ذهبا وفضة لكانت، بل آثر الزهد والكفاف، فربما بات جائعا ويمر الشهر لا توقد في بيته نار.
ويستمر الأيام طاويا لا يجد رديء التمر يسد به جوعه، وما شبع من خبز الشعير ثلاث ليال متواليات، وكان ينام على الحصير حتى أثر في جنبه، وربط الحجر على بطنه من الجوع، وكان ربما عرف أصحابه أثر الجوع في وجهه عليه الصلاة والسلام، وكان بيته من طين متقارب الأطراف داني السقف، وقد رهن درعه في ثلاثين صاعا من شعير عند يهودي، وربما لبس إزارا ورداء فحسب، وما أكل على خوان قط، وكان أصحابه ربما أرسلوا له الطعام لما يعلمون من حاجته إليه، كل ذلك إكراما لنفسه عن أدران الدنيا، وتهذيبا لروحه وحفظا لدينه ليبقى أجره كاملا عند ربه، وليتحقق له وعد مولاه في قوله تعالي " ولسوف يعطيك ربك فترضي " فكان يقسم الأموال على الناس ثم لا يحوز منها درهما واحدا.
ويوزع الإبل والبقر والغنم على الأصحاب والأتباع والمؤلفة قلوبهم ثم لا يهب بناقة ولا بقرة ولا شاة، بل يقول عليه الصلاة والسلام " لو كان لي كعضاة، أي شجر تهامة مالا لقسمته ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا" بل وكان عليه الصلاة والسلام الأسوة العظمى في الإقبال على الآخرة وترك الدنيا وعدم الإلتفات إليها أو الفرح بها أو جمعها أو التلذذ بطيباتها أو التنعم بخيراتها، فلم يبن قصرا، ولم يدّحر مالا، ولم يكن له كنز ولا جنة يأكل منها، ولم يخلف بستانا ولا مزروعة، وهو لقد كان رسول الله المصطفي القائل " لا نورّث، ما تركناه صدقة" رواه البخاري ومسلم، وكان يدعو بقوله وفعله وحاله الى الزهد في الدنيا والإستعداد للآخرة والعمل، ما نظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو إمام المسلمين وقائد المؤمنين.
وأفضل الناس أجمعين يسكن في بيت طين وينام على حصير بال ويبحث عن تمرات تقيم صلبه، وربما اكتفى باللبن، بل خُيّر بين أن يكون ملكا رسولا أو عبدا رسولا فإختار أن يكون عبدا رسولا، يشبع يوما ويجوع يوما، حتى لقي الله عز وجل، ومن زهده في الدنيا سخاؤه وجوده كما تقدم، فكان لا يرد سائلا ولا يحجب طالبا ولا يخيّب قاصدا، وأخبر أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وقال صلى الله عليه وسلم " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" رواه البخاري، ويروى عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم " ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" رواه ابن ماجه والطبراني، وكما قال صلى الله عليه وسلم " مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل رجل قال في ظل شجرة ثم قام وتركها" رواه أحمد والترمذي.
إضافة تعليق جديد