اليوم : الثلاثاء الموافق 17 ديسمبر 2024
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد إن الخيانة ركن من أركان النفاق ربعه أو ثلثه، فهي سمة من سمات النفاق، فالخائن منافق، وإلا فكيف سيخفي خيانته إلا بالنفاق؟ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان " متفق عليه، وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم "أربع من كن كان منافقا خالصا، وذكر منها وإذا ائتمن خان" متفق عليه، وأشد الناس فضيحة يوم القيامة هم الخائنون.
لقوله صلى الله عليه وسلم "لكل غادر لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان "متفق عليه، والغدرة هي الإختلاس من أموال الأمة من المال العام الذي اؤتمنت عليه، والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره، ولو كان المعاهد كافرا، والخائن وإن إندس بين الناس وإن عرف كيف يرتّب أموره بحيث لا يفتضح أمام عباد الله فأين يذهب يوم القيامة؟ فإن بالخيانة أُسقطت دولة الخلافة الإسلامية، وكانت رمزا تجمع شتات المسلمين، فتمزقت أوطان المسلمين إلى بلدان وأقاليم، وأقام أعداؤنا في كل موطن وإقليم سلطانا مواليا لنفوذهم إلا من رحم الله، ينفذ سياستهم بالترغيب والترهيب والحماية، بالخيانة عمدوا إلى مناهج التعليم والتربية فصبغوها بصبغتهم في الضياع والإنحلال، وبالخيانة تم غزونا فكريا.
فلم يستطع الغرب أبدا أن يغزونا عسكريا إلا بعد أن هزمونا فكريا، لكن تكفل بالمهمة الخونة من أبناء جلدتنا، بسلاح الغدر والخيانة ذلك السلاح الذي تجرّعت الأمة وتتجرع بسببه المرارات، وعن طريقه فقدت الأمة أعظم قادتها وخلفائها ممن أعجز الأعداء على مر التاريخ، فالرسول صلى الله عليه وسلم سمّته يهود، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قتله أبو لؤلؤة المجوسي، وعثمان بن عفان رضي الله عنه قتلته يد الغدر، وعلي بن أبي طالب والحسين وغيرهم رضوان الله عليهم من العظماء عبر التاريخ، وقال الله تعالى في كتابه الكريم كما جاء في سورة الأنفال " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتاكم وأنتم تعلمون " فتأملوا جيدا أنه قال تعالي " يا أيها الذين آمنوا " ولم يقل يا أيها الناس، أو يا أيها الذين كفروا.
وإنما يا أيها الذين امنوا، فإنها رسالة أن من المؤمنين خونة، ولا تخونوا الله، فهذه واحدة، والرسول صلى الله عليه وسلم وهذه ثانية وتخونوا أماناتكم وهذه ثالثة، فخيانة الله تعالي هي الإخلال بحقوقه، فعدم تحقيق لا إله إلا الله في النفس خيانة لله عز وجل، وعبادة غير الله خيانة لله، وتعطيل فرائض الله، أو تعدي حدوده أو إنتهاك محارمه، كلها خيانة لله تعالي، وعدم تحكيم شرع الله عز وجل يعتبر خيانة لله تعالي، واذا خنت الله تعالي خانك كل شيء، فمن خان الله وضيع فرائض الله فلا تأمنه فانه خان أول منعم عليه، وهو الله عز وجل، أما خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم فتقديم قول فلان أو الولي فلان على قوله صلى الله عليه وسلم، وتعتبر خيانة للرسول صلى الله عليه وسلم وترك سنته مع علمنا بها خيانة للرسول صلى الله عليه وسلم.
إضافة تعليق جديد