الحمد لله الغني الحفي القوي الولي الوفي العلي عن مدانة الأوهام، العظيم الحليم، الحكيم العليم الرحيم، وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، فاللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين أما بعد لقد عاش النبي المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الخامسة والعشرين من عمره في بيئة جاهلية عفيف النفس، دون أن ينساق في شيء من التيارات الفاسدة التي تموج حوله كما أنه تزوج من السيدة خديجة رضي الله عنها ولها ما يقارب ضعف عمره، حتى تجاوز مرحلة الشباب وقد ظل هذا الزواج قائما حتى توفيت عن خمسة وستين عاما.
وقد قرب النبي صلى الله عليه وسلم من الخمسين من عمره، دون أن يفكر خلالها بالزواج بأي امرأة أخرى، ومابين العشرين والخمسين من عُمر الإنسان هو الزمن الذي تقوى فيه الدوافع لذلك، لكن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم لم يفكر في أن يضم إليها رضي الله عنها مثلها من النساء زوجة أو أمة، ولو أراد لكان الكثير من النساء والإماء طوع بنانه وهو أمر طبيعي في هذه البيئة، ومن ثم فكثرة زواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بهدف التمتع وإشباع الشهوة وإن كان ذلك أمرا فطريا سائغا لا يعاب الإنسان به وقد كان ذلك سائدا بين العرب آنذاك وقد عدّد الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فإن هدف النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم من زواجه كان أسمى من ذلك وأعلى، ففي زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
كثير من الحكم التشريعية والإنسانية والتعليمية، إضافة إلى ما يتعلق بمصلحة الدعوة وتبليغ الرسالة، فقد حرص في بعضها صلى الله عليه وسلم على توثيق الرابطة بين الإسلام وبعض القبائل كما حدث عندما تزوج بجويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق، الذي كان من آثاره إسلام جميع قبيلتها وكزواجه من أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان وصفية بنت حيي بن أخطب، وهدف في بعضها الآخر تكريم أرامل الشهداء الذين ماتوا في الحبشة، أو إستشهدوا من أجل الدعوة في سبيل الله، وتركوا أرامل لا يقدرون على تحمل أثقال الحياة وأعبائها الجمة مثل أم سلمة وزينب بنت خزيمة وسودة بنت زمعة، وكان في بعضها الآخر زواجا تشريعيا كزواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش وذلك لهدم نظام التبني الذي كان موجودا عند العرب.
ومنها توثيق أواصر الترابط بينه وبين صاحبيه الجليلين أبى بكر وعمر، وتكريمهما بشرف المصاهرة به، وذلك ظاهر في زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة بنت أبي بكر والسيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنهم، وثمة أمر آخر هام وهو أن الإسلام الذي هو خاتم الأديان بحاجة إلى من يبلغ أحكامه الشرعية الخاصة بالنساء وهي كثيرة، وزوجة واحدة لا تستطيع القيام بهذا العبء وحدها، فالأمر أكبر من ذلك بكثير، وقد ذكر رواة السنة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم روين أكثر من ثلاثة آلاف حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فقد ساهمت أمهات المؤمنين خاصة السيدة عائشة والسيدة أم سلمة مساهمة فعالة في نقل السنة النبوية وهي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله تعالي إلى الأمة الإسلامية، وقد ذكر الإمام ابن حجر في فتح الباري حكما كثيرة للعلماء.
من إستكثاره صلى الله عليه وسلم من الزوجات، أحدها هو أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك، وثانيها لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم، وثالثها وهو الزيادة في تألفهم لذلك، ورابعها وهو لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزداد أعوانه على من يحاربه، وخامسها وهو نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال، لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله، وسادسها وهو الإطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوج السيدة أم حبيبة وأبوها أبو سفيان بن حرب يعاديه، وتزوج السيدة صفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكمل الخلق في خُلقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن وسابعها وهو تحصينهن والقيام بحقوقهن.
ومن ثم فإن لكل من زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأمهات المؤمنين حكمة وسبب، يزيدان في إيمان المسلم بعظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعة شأنه وكمال أخلاقه.
إضافة تعليق جديد