الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، أما بعد لقد حذرنا الإسلام من الغلول، وإن الغلول بالمعنى الخاص هو الأخذ من الغنيمة سرّا قبل قسمتها، وبالمعنى العام مطلق الخيانة، والغلول من الذنوب التي يعذب صاحبها في القبر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما يقال له مدعم، فبينما مدعم يحط أي يضع رحلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أصابه سهم عائر، فقتله، فقال الناس هنيئا له الجنة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم كلا، والذي نفسي بيده إن الشملة أي كساء يشتمل به الرجل، التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم.
أي أخذها قبل قسمة الغنائم وكان غلولا، لتشتعل عليه نارا، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين وهما سير أو سيرين يكونان على ظهر القدم عند لبس النعل، إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال شراك من نار أو شراكان من نار" رواه البخاري، وقال الإمام الطيبي "وفيه غلظ تحريم الغلول، وأنه لا فرق بين قليله وكثيره في التحريم حتى الشراك" وهذا الحديث بيّن أن الغلول سبب من الأسباب المستوجبة للعذاب في القبر، ولذلك أورده الإمام البيهقي في كتابه المتعلق بإثبات عذاب القبر، وبوّب على الحديث بقوله "باب ما يخاف من عذاب القبر في الغلول" وليكن لكم القدوة في نبيكم ورسولكم المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم، ونظرا لأن فضل الشهادة عظيم فقد تمنى الشهادة مقسما بالله تعالي فقال " والذي نفسي بيده لوددت اني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل " متفق عليه.
وقال ابن بطال في الحديث فضل الشهادة على سائر أعمال البر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمناها دون غيرها، وذلك لرفيع درجتها، وكرامة أهلها لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وذلك والله أعلم لسماحة أنفسهم ببذل مهجتهم فى مرضاة الله وإعزاز دينه، ومحاربة من حاده وعاداه، فجازاهم بأن عوضهم من فقد حياة الدنيا الفانية الحياة الدائمة فى الدار الباقية، فكانت المجازاة من حسن الطاعة، ولذلك تمنى عبدالله والد جابر رضي الله عنهما والذي استشهد في غزوة أحد الرجوع إلى الدنيا ليقتل في سبيل الله مرة أخرى؛ لما يراه من النعيم، فينبغي أن تسأل الله تعالي الشهادة وتضحي بنفسك وأهلك من أجل الله وتتمني الشهادة بصدق وبنية خالصة، فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم " من سأل الله الشهاده بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات علي فراشه " مسلم.
ويقول الإمام النووي معناه أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء وإن كان على فراشه، وفيه استحباب سؤال الشهادة وإستحباب نية الخير، لذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه " اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري، وفي رواية للطبراني عن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها قالت سمعت عمر يقول " اللهم قتلا في سبيلك ووفاة ببلد نبيك، قالت فقلت وأنى يكون هذا ؟ قال يأتي به الله إذا شاء" وعن عوف بن مالك أنه رأى رؤيا فيها أن عمر شهيد مستشهد، فقال لما قصها عليه أنى لي بالشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة العرب لست أغزو والناس حولي ثم قال بلى يأتي بها الله إن شاء، وإستجاب الله دعاءه ورزقه الله الشهادة ودفن بجوار المصطفي صلى الله عليه وسلم، فنسأل الله أن يكتب لنا الشهادة في سبيله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
إضافة تعليق جديد