رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 21 أبريل 2025 10:43 ص توقيت القاهرة

سلسلة: "بني إسرائيل… من النبوّة إلى الاحتلال" الجزء الأول يعقوب عليه السلام وبدايات بني إسرائيل

سلسلة: "بني إسرائيل… من النبوّة إلى الاحتلال"
الجزء الأول يعقوب عليه السلام وبدايات بني إسرائيل
بقلم د/ سماح عزازي
في قلب الحكاية التي غيّرت مسار التاريخ، تبدأ القصة من رجلٍ واحد يعقوب عليه السلام. نبي كريم، ابن نبي عظيم هو إسحاق، وحفيد خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، الذي وصفه الله في كتابه:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120].
يعقوب لم يكن مجرد أبٍ لاثني عشر ولدًا، بل كان نواة أمة كاملة حملت اسمه، فدُعي نسله من بعده "بني إسرائيل".
من هو "إسرائيل"؟
في اللغة العبرية القديمة، تعني "إسرائيل" عبد الله أو المجاهد في سبيل الله، وهو لقبٌ شرفي أُطلق على يعقوب عليه السلام، كما ذكر الإمام الطبري وغيره من المفسرين. وعليه فإن "بني إسرائيل" هم ذرية يعقوب عليه السلام، وقد جاء ذكرهم في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، مثل قوله تعالى:
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40].
من نسل يعقوب، خرجت قبائل عديدة شكّلت فيما بعد أمة لها خصائص دينية واجتماعية متميزة، ثم تحولت إلى كيان سياسي توسّعي في العصور اللاحقة.
يعقوب عليه السلام وذريته المباركة
حين تبدأ الأمة من رجل صالح
يعقوب عليه السلام، المعروف بلقب "إسرائيل"، ليس مجرد نبي من أنبياء الله، بل هو أبٌ لأمة، وجذرٌ لشجرةٍ مباركة امتدّت فروعها في الزمان والمكان. هو ابن إسحاق بن إبراهيم، وقد ورث عن أبيه وجده الإيمان والتقوى والدعوة إلى التوحيد، وواصل مسيرة الأنبياء في قومه رغم قلة ما رُوي عن دعوته مقارنةً بغيره من الأنبياء.
قال الله تعالى عنه وعن آبائه:
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ...} [الأنعام: 84].
لقد عاش يعقوب عليه السلام حياةً ملأى بالابتلاءات، أهمها فراقه لابنه الحبيب يوسف عليه السلام، ذلك الحدث الذي استمر سنين طويلة، وأظهر فيه صبرًا وثقة بالله لا مثيل لهما، حتى قال:
{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].
وقد جسّد يعقوب في دعائه ودموعه وفقده وحنينه نموذجًا إنسانيًا فريدًا للنبي الأب، الذي لا تعارض في شخصيته بين النبوّة وحنان الأبوة. وقد مدحه الله في أكثر من موضع، وخاصة حين حضرته الوفاة، وأوصى أبناءه بالتوحيد فقال:
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ۖ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي ۖ قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133].
أبناء يعقوب... الامتحان الأول
كان ليعقوب عليه السلام اثنا عشر ولدًا، منهم يوسف وأخوه بنيامين، ومنهم بقية الأبناء الذين تُنسب إليهم أسباط بني إسرائيل. وتُجمع كتب التفسير على أن هؤلاء الأبناء هم أساس القبائل التي شكّلت لاحقًا نواة بني إسرائيل.
لكن هذه الذرية المباركة لم تخلُ من الابتلاءات، فكما أنّ فيهم الأنبياء، فإن فيهم من وقع في الغيرة والتآمر والحسد، كما في قصة إخوته مع يوسف. وهذا الحدث الجلل لم يكن مجرد قصة عائلية، بل كان حجر الأساس لفهم الطبيعة المتناقضة التي ستلازم بني إسرائيل: الإيمان من جهة، والانحراف من جهة أخرى.
قال تعالى:
{لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7].
وقد جمعت هذه الذرية بين البشارة الربانية والابتلاء البشري، فبينهم من اصطفاه الله، كـ يوسف وموسى وداوود وسليمان، وبينهم من استحق اللوم والعتاب، كما في مواقفهم من العجل والتيه ورفضهم للأرض المقدسة.
ذرية يعقوب... وعد وابتلاء
ذريّة يعقوب عليه السلام ليست ذريةً عادية، بل هي ذرية تحمل وِزر الأمانة، وابتلاء الاصطفاء. ولذلك قال الله تعالى:
{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُّبِينٌ} [الدخان: 32-33].
أي أن اصطفاءهم لم يكن تفضيلًا مطلقًا، بل ابتلاء ومسؤولية، وهي نقطة غابت عنهم لاحقًا حين توهّموا أن الله فضلهم دون حساب.
ومن هذه الذرية خرجت أسماء عظيمة:
موسى عليه السلام الذي واجه فرعون. هارون عليه السلام الذي أعانه على الدعوة. داوود وسليمان الذين مُنحا الحكم والنبوة. زكريا ويحيى رمز الدعوة والتضحية. عيسى عليه السلام كلمة الله وروحه، الذي ختم الله به رسالات بني إسرائيل.
لكن ما بين يعقوب وعيسى، كانت هناك محطات من النعمة والفتنة، من الشكر والجحود، من التوحيد والضلال، وهو ما سنكشف عنه في الأجزاء القادمة من السلسلة.
يوسف عليه السلام... نبي الرحمة والتمكين
من بين أبناء يعقوب الاثني عشر، برز يوسف عليه السلام، الذي اختصه الله بالنبوة، كما جاء في قوله:
{وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: 6].
قصة يوسف هي واحدة من أروع القصص القرآنية، خصص الله لها سورة كاملة. بيع عبدًا، فسجَن ظلمًا، ثم خرج ليصبح عزيز مصر، وينقذها من المجاعة بفضل الوحي والإلهام.
قال تعالى:
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُءْيَايَ} [يوسف: 100].
بدعوةٍ من يوسف، انتقل يعقوب وأبناؤه إلى مصر، وهناك بدأت لبنات تشكّل بني إسرائيل كجماعة مهاجرة تعيش في كنف دولة قوية.
من النعمة إلى النقمة: بداية الاضطهاد
مرت السنوات وتوفي يوسف عليه السلام، وبدأ بنو إسرائيل يتكاثرون ويشتد عودهم. لكن الزمن يدور، وتغيّرت الأحوال. جاء فرعون جديد لم يعرف فضل يوسف على مصر، وبدأ يضطهد بني إسرائيل، كما وصف القرآن الكريم هذا الطغيان في قوله:
{يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49].
تحول بنو إسرائيل من ضيوف إلى عبيد، ومن شركاء في التنمية إلى أدوات بناءٍ مَهينة. فرض عليهم الفراعنة العمل بالسخرة، وأذاقوهم الويل والعذاب.
وكانت هذه المرحلة من العبودية والتنكيل تمهيدًا إلهيًا لبعثة نبيٍ جديد، سيقودهم للخروج من هذا الظلم موسى عليه السلام، الذي سيظهر في الجزء الثاني من هذه السلسلة.
العناد... البذرة الأولى
لكن الخلاص لم يكن نهاية الطريق، بل بدايته. فقد بدأت مع الهروب من مصر سلسلة من الاختبارات الإلهية التي كشفت عن وجهٍ آخر لبني إسرائيل: العناد، التقلب، والجدل، حتى مع أنبيائهم. قال تعالى:
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيْهِ فَظَلَمُوا بِهَا} [الأعراف: 103]
وقال أيضًا عنهم:
{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ} [البقرة: 87].
إلى اللقاء في الجزء القادم
في الجزء الثاني من هذه السلسلة،
"موسى والتيه... حين رفضوا الأرض المقدسة"

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.