رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 27 أبريل 2025 2:41 ص توقيت القاهرة

حادثة البرامكة في العصر العباسي

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله بيده مفاتيح الفرج، شرع الشرائع وأحكم الأحكام وما جعل علينا في الدين من حرج، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قامت على وحدانيته البراهين والحجج، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، هو المفدى بالقلوب والمهج، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ساروا على أقوم طريق وأعدل منهج، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن حادثة البرامكة في العصر العباسي، وقيل أن زوال دولة البرامكة قد يكون الفضل بن الربيع والرشيد معذورين في بعض ذلك لأنهما رأيا أن الدولة العربية تزول شيئا فشيئا، حتى لم يبق للعرب في المملكة سلطان، وأن السلطة تزيد في الفرس يوما فيوما حتى قبض البرامكة على كل ما للدولة من شئون.
وقد يضاف إلى ذلك ما يروي بعض المؤرخين من أن الرشيد كان لا يستغني عن جعفر والعباسة، فعقد له عليها حتى يحل إجتماعهما، وأمر أن لا يمسها فتعهد له بذلك، ثم طغى عليهما سلطان الغرام، ولسنا نذهب إلى ما ذهب إليه ابن خلدون من استبعاد هذا، فهذه عاطفة إنسانية يقع فيها الشريف والوضيع، والغني والفقير، وكم سمعنا بمثل ذلك في كل العصور، وسلطان الحب فوق كل سلطان، إنما نستبعد ذلك من ناحية أخرى، وهي أن هذا لو كان السبب لفتك الرشيد بجعفر البرمكي وحده دون يحيى الشيخ، ودون إخوة جعفر، فلا بد أن يكون السبب مشتركا، ولا يوجد سببا مشتركا إلا حيازتهم للسلطة، خصوصا وأن مسرورا الخادم قد سأله بعض الخلفاء بعد ذلك عن حادث جعفر والعباسة، فنفاها نفيا باتا، ولمّح إلى أن السبب هو السلطة، وقد كان الرشيد تنازل لهم عن كل سلطان.
فولي جعفر الغرب كله من الأنبار إلى إفريقية، وتم تقليد الفضل المشرق كله من النهروان إلى أقصى بلاد الترك، وهما ينيبان عنهما من أرادا والناس إذا رأت السلطان في يد توجهت إليها بالإستجداء والمديح والملق، وكذلك كان شأن البرامكة، فكان الشعراء يقفون ببابهم أكثر من الشعراء الذين يقفون على باب الرشيد، وقد مُنح البرامكة سماحة وكرما، وصفهم إبراهيم الموصلي فقال أما الفضل فيرضيك بفضله، وأما جعفر فيرضيك بقوله، وأما محمد فيفعل بحسب ما يجد، وأما موسى فيفعل ما لا يجد، وكما أسروا الناس بحُسن صنيعهم وأسروهم ببلاغتهم، ومأثور كلامهم، وحسن توقيعهم، حتى تناقلت كتب البلاغة عباراتهم، وقد فكر الرشيد طويلا في الإيقاع بهم لعظم مكانتهم، وخوفه من الثورة عليه من أجلهم، فكان مما إحتاط أن يشيع بين الناس كفرهم وزندقتهم، وأنهم يظهرون الإسلام.
ويبطنون الكفر، وأن عندهم بعض بقايا من الآثار الوثنية ونحو ذلك حتى تكرههم العامة، فأوعز مثلا إلى الأصمعي أن يقول فيهم ما يحُطُّ من شأنهم، وأشاع في الناس أنهم زنادقة، حتى إن يحيى بن خالد لما تم نقله من سجن إلى سجن، اعتدى عليه رجل، وأظهر له الاحتقار، فخاف يحيى أن يكون قد ظلمه، أو بخل عليه فبعث إليه من يسأله، فلما علم أنه يرميه بالزندقة إطمأن إلى ذلك لأنه علم أنها دسيسة عليه، وبذلك وأمثاله أوجد الرشيد حول البرامكة جوا مسمما، وربما كان من ذلك ما أشاعه عن علاقة جعفر بالعباسة، ووعد جعفر للرشيد بأن لا يقربها لأنه إلى ذلك العهد كانت الغيرة فاشية في الناس، فلما نكل بهم الرشيد لم يثر الناس وقابلوا الأمر بالهدوء، ولولا نشاط الدعاية ضدهم لثار الناس على الرشيد، وفتكوا به إن إستطاعوا.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.