بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن في الدين عصمة أمركم، وحسن عاقبتكم وبعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن دولة المماليك في مصر، وقيل أنه كان الزحف المغولي نحو المشرق الإسلامي هو السبب الأبرز والأهم الذي جعل المماليك والأيوبيين يتناسون خلافاتهم في سبيل توحيد قوة المسلمين لمواجهة المغول، وخشي المماليك على نظامهم الجديد من منافسة الأيوبيين، وإضطربت أوضاعهم، فتنادوا إلى إجتماع يعقد في قلعة الجبل، حيث جدد الأُمراء والجنود الولاء والطاعة للسلطانة شجر الدر والأتابك عز الدين أيبك، وشهدت القاهرة إجراءات قمعية بحق الموالين للأيوبيين، حيث قبض على كل شخص عرف بموالاته لهم، وإتجه المماليك نحو بغداد لإنقاذ حكمهم المهدد.
وإضفاء الصفة الشرعية على النظام الجديد، فكتبوا إلى الخليفة العباسي المستعصم يطلبون منه تأييد سلطنة شجر الدر، لكن خاب أملهم عندما عاب عليهم الخليفة تنصيب امرأة في الحكم، وقال قولته المشهورة " إن كانت الرجال قد عدُمت عندكم فأخبرونا حتي نسير إليكم رجلا " ولما وصل جواب الخليفة إلى القاهرة، وجدت شجر الدر نفسها في موقف حرج، بعد أن أحاطت بها مظاهر العداء في الداخل والخارج، وإقتنع المماليك، من جهتهم، بضرورة تغيير رأس السلطة، فطلبوا من شجر الدر أن تتزوج بالأمير عز الدين أيبك وتتنازل له عن العرش، فإستجابت لهم وخلعت نفسها من السلطنة، بتولي أيبك عرش السلطنة المملوكية، تحرك الملوك والأُمراء الأيوبيون، بزعامة الناصر يوسف صاحب دمشق وحلب، بإتجاه مصر لإستعادتها من أيدي المماليك.
وعندما علم أيبك بأنباء هذا الزحف، قرر مواجهة هذا الخطر بالطرق السلمية أولا، وحتى يمتص نقمة الأيوبيين إختار بالإتفاق مع كبار أمراء المماليك، صبيا صغيرا في العاشرة من عمره من بني أيوب هو الأشرف موسى بن المسعود بن الكامل، وأقامه سلطانا ليكون شريكا له في الحكم، لكن الملوك الأيوبيين فطنوا لتلك الحيلة، وأدركوا أن الأشرف موسى لم يكن له غير الإسم، في حين كانت الأمور كلها بيد أيبك، وإستمروا في زحفهم نحو مصر، التقى الجيشان، المملوكي والأيوبي في العاشر من شهر ذي القعدة من عام ستمائة وثماني وأربعين من الهجرة، عند قرية العباسة بين مدينتي بلبيس والصالحية، فإشتبكا في معركة إنتصر فيها الأيوبيين بداية، ثم إنقلبت الآية بسبب تخلي بعض المماليك من جيش الناصر يوسف عن مواقعها وإنضمامها إلى الجيش المملوكي.
بدافع العصبية، فتراجع الأيوبيين إلى الشام في حين عاد المماليك ظافرين ومعهم الأسرى إلى القاهرة، وبعد هذه الموقعة بشهر، أرسل أيبك جيشا ناحية غزة فإستولى عليها، وقرر السيطرة على سائر الشام وإستخلاصها من يد الأيوبيين وتسابق الطرفان، الأيوبيين والمماليك، لاستمالة الصليبيين في مواجهة الطرف الآخر، لولا أن أرسل الخليفة العباسي المستعصم إلى الناصر أيوب يأمره بمصالحة أيبك فورا، وحث الأخير على قبول أية شروط يطلبها الأول ودفن هذا الخلاف حيث هو، وذلك في سبيل مواجهة الخطر القادم إلى المشرق، ألا وهو الخطر المغولي، الذي يستوجب توحيد العالم الإسلامي ويبدو أن موجة الرعب التي أثارها المغول أثناء زحفهم من آسيا الوسطى باتجاه العالم الإسلامي، وأخبار وحشيتهم، جعلت الطرفان يستجيبان بسهولة لدعوة الخليفة، فإنتهى الصراع الأيوبي المملوكي عند هذا الحد.
إضافة تعليق جديد