
كتب ضاحى عمار
من قلب تل أبيب، يتجدد المشهد الذي لم يعد غريبًا على الشارع الإسرائيلي، إذ تتصاعد موجة الاحتجاجات كأنها كرة نار تتدحرج بسرعة، مطالبين بلجنة تحقيق رسمية تكشف ما اعتبروه الفضيحة الأكبر في تاريخ الأمن الإسرائيلي. وعلى الرغم من مرور عامين على هجوم 7 أكتوبر، ما زالت أصداء ذلك اليوم تُطارد الحكومة بكل تفاصيلها، بينما يقف بنيامين نتنياهو في دائرة الاتهام، رافضًا أي إقرار بالمسؤولية، ومتشبثًا بروايته المتهالكة بأنّ الحرب أكبر من أن تُختزل في أخطاء فردية.
ويتقدم آلاف الإسرائيليين نحو مقر وزارة الدفاع في شارع بيغن، ثم إلى ساحة هبيما، حاملين لافتات تطالب بما يسمونه كشف الحقيقة كاملة. ويؤكد المتظاهرون أن أي إنكار من نتنياهو أو حكومته لن يطمس الوقائع التي ظهرت تباعًا خلال العامين الماضيين، خاصة بعد تقارير الصحف العبرية ولجان التحقيق المدنية التي وصفت ما جرى بأنه انهيار شامل لمنظومة الدولة
ويكشف رئيس الشرطة العسكرية السابق ورئيس هيئة مكافحة الإرهاب بالمنطقة العربية، اللواء شبل عبد الجواد، فى تصريح خاص، أن ما حدث في 7 أكتوبر لا يمكن وصفه إلا بأنه سقوط دولة بكامل أجهزتها الأمنية أمام تنظيم صغير محدود الإمكانيات ويضيف:
الجيش الإسرائيلي كان يملك معلومات استخبارية أولية، لكنه تعامل معها باستهتار مريب. هناك تراخٍ، وهناك فشل قيادي، والأخطر أن الحكومة تعاملت مع التحذيرات وكأنها مجرد ضوضاء عابرة. هذا النوع من الكوارث لا يحدث فجأة؛ بل هو نتيجة مباشرة لقيادة مرتعشة ومنقسمة.
ويشير اللواء شبل عبد الجواد إلى أن رفض نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق رسمية ليس مجرد موقف سياسي، بل هو على حد وصفه ـمحاولة للهروب من مشهد محاسبة سيكون قاسيًا عليه وعلى منظومته كلها ويؤكد أن الضغط الشعبي المتزايد لن يتوقف، وأن استمرار الاحتجاجات بهذه القوة يهدد مستقبل نتنياهو السياسي حتى لو حاول الاحتماء باليمين المتشدد
ومن جانبه، يرى المهندس علي عبده، رئيس مجلس التعاون العربي، أن الأزمة ليست أمنية فقط، بل سياسية بامتياز، مشيرًا إلى أن نتنياهو يمارس ما وصفه بـ“الابتزاز السياسي للبقاء في الحكم. ويقول:
نتنياهو يدرك جيدًا أن فتح تحقيق شامل سيكشف سلسلة من الأخطاء القاتلة: تجاهل التحذيرات، ضعف التنسيق بين الجيش والشاباك، غياب الجاهزية، والانشغال طوال سنوات ببقائه في السلطة على حساب أمن الإسرائيليين أنفسهم. لهذا يقاوم تشكيل لجنة تحقيق، لأنها ببساطة ستطيح به فورًا.
ويضيف عبده أن ما يزيد الضغوط على نتنياهو هو شهادات العسكريين أنفسهم، بدءًا من تصريحات رئيس الأركان إيال زامير، الذي أقر بأن الجيش فشل في أداء مهمته الأساسية، وصولًا إلى شهادات العائلات التي فقدت أبناءها في الهجوم. ويشير عبده إلى أن الشارع الإسرائيلي لم يعد يصدق رواية الحكومة، لأن الحقائق واضحة: الفشل سياسي قبل أن يكون عسكريًا
وتتزامن موجة الاحتجاجات الحالية مع حالة من الارتباك داخل الائتلاف الحاكم، خاصة بعد استقالات مسؤولين كبار خلال العام الماضي، اعترف بعضهم بتحمّل جزء من الفشل، في حين ظل نتنياهو متمسكًا بخطابه المعتاد: لن نستقيل أثناء الحرب لكن هذا الخطاب لم يعد يُقنع حتى جزءًا من قاعدته، إذ يرى كثيرون أن استمرار هروبه من المسؤولية هو السبب المباشر في تفاقم الأزمة السياسية داخل إسرائيل.
وتزداد الاتهامات حدة مع ما تكشفه التقارير اليومية عن خروقات إسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، وسقوط مئات الفلسطينيين رغم الهدنة. ويعتبر مراقبون أن هذا التناقض بين الفشل الداخلي ومحاولة تصديره للخارج يفاقم غضب الإسرائيليين، ويدفعهم للمطالبة بإغلاق ملف الهروب من المحاسبة
وبينما تتجه الأنظار نحو الشارع، يرى الخبراء أن نتنياهو يواجه أصعب لحظة في تاريخه السياسي، إذ اقتربت لحظة الحقيقة، وصار السؤال المطروح داخل إسرائيل وخارجها:
هل ينجو نتنياهو من موجة المحاسبة، أم تسقطه أصوات الغاضبين الذين خرجوا يطالبون بكشف الحقيقة مهما كانت
إضافة تعليق جديد