بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ذي الجلال والإكرام حي لا يموت قيوم لا ينام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحليم العظيم الملك العلام، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام والداعي إلى دار السلام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، ثم أما بعد إن من سوء الظن بالله أن ييأس العبد ويقنط من رحمة الله عز وجل ويغلب عذاب الله تعالي، ومن سوء الظن أن يعتقد بأن الله تعالي يخلف وعده في إثابة المطيع وقبول عمله، ومن سوء الظن أن يعتقد أن ربه تعالي يعامل الصالحين معاملة المسيئين فلا يعدل مع العباد، ومن سوء ظنه بربه أنه لا يقبل من دعاه وأناب إليه ولاذ ببابه وإرتجى كرمه وستره، فكل ذلك من سوء الظن الذي ينزه عنه الله جل جلاله وتباركت ذاته وتقدست أسماؤه وصفاته.
وبالجملة فكل ظن سيء لا يجوز لقلب المؤمن أن يعتقده وأن يستقر فيه بحال من الأحوال، ومن سوء الظن بالله تعالي أن يدع الداعي ربه كثيرا فلا يجاب له فيسيء الظن بربه وينقطع عن الدعاء ولو علم أن الله عز وجل ربما منع عنه شرا في الدنيا أو ادخر له خيرا في الآخرة بدعائه لما تعجل في الظن، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل" قالوا يا نبي الله وكيف يستعجل قال " يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي" ومن سوء الظن بحكمة الله تعالي هو أن يعمل الرجل بالتقوى وإتباع الشرع فيبتلى ويمنع من الدنيا ويرى أهل المعصية قد بسط لهم في الرزق وعجلت لهم طيباتهم فيسيء الظن بربه ويترك العمل الصالح ويطيع الشيطان ولو علم أن الله تعالي قضى عليه ذلك لحكمة.
وأنه لا تلازم بين التقوى وبسط الرزق وأن الله عز وجل إختار لنبيه الفقر وأن عطاء الله سبحانه في الآخرة أعظم لما أساء الظن بربه، ومن سوء الظن بقدر الله تعالي المنتشر في الناس هو أن يقول العبد إذا أصابته ضراء يارب حرام تصيبني بذلك أو أنا ماذا عملت أنا لا أستحق هذا البلاء ونحو ذلك من عبارات التسخط والإعتراض على القدر والعياذ بالله ولو علم هذا المسكين سر القدر في الخلق لما إعترض عليه، ويجب على المؤمن أن يفتش في قلبه عن سوء الظن بالله تعالي بجميع شعبه وصوره وأن يتخلص منه إن وجده ويعالج قلبه بدواء الإيمان ويملأ قلبه بحسن الظن بالله سبحانه والرجاء واليقين والتوكل لأن كثيرا من الخلق مبتلى بسوء الظن بالله عز وجل بصورة خفية كامنة تظهر وتقدح في فلتات اللسان وعمل الجوارح عند المحن والمضايق ونزول البلاء.
والتفاؤل بالأسماء والأحوال الحسنة من حسن الظن بالله والتشاؤم بالأسماء والأحوال السيئة من سوء الظن بالله ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل" متفق عليه، وأما المنافق المستتر بنفاقه فيظن أن الغلبة للكفر وأهله والخسارة ودائرة السوء لحزب الإيمان وأن الباطل منتصر على الحق فيظن بالله ظن السوء وقد عاب الله على المنافقين وذمهم حين تركوا محمدا صلى الله عليه وسلم وصحبه في غزوة أحد بقوله تعالي " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " وقال الله تعالى فيهم " الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة " وكل منتسب لأمة محمد صلي الله عليه وسلم يظن أن الغلبة للكفار في هذا الزمان.
ويظن أن المؤمنين خاسرون مغلوبون في سائر الأوقات والأحوال ولو عملوا بأسباب النصر أو يظن أن هذا الدين لن تقوم له قائمة فقد أساء الظن بربه تعالي وشابه المنافقين في إعتقادهم وبات قلبه على شعبة من شعب النفاق.
إضافة تعليق جديد