قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءآمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ).
يظن بعض (كمايرى بعض المفسرين ) ان الله كتب علينا الصيام لنشعر بمايشعر به الفقير من الجوع والعطش نتيجة الحرمان والفقر، ولو كان الهدف من الصيام هو ذلك لكانت فريضة الصيام على الأغنياء دون الفقراء، ولو كانت هذه الفريضة مكتوبة على الأغنياء لذهب الكثير من الأغنياء في خلق تبريرات كاذبة تجعل من مالهم الكثير هذا قليلا في نظهرهم لصبحوا بصفات الفقراء وبالتالي لم يصوموا، ولذهب الكثير منهم ايضا في خلق حججا وتبريرا بأن الله لم يحدد ولم يذكر لهم حدودا تبين وتفرق بين حد الغنى والفقر، ولو كان الهدف من الصيام مجرد الإحساس بالفقير فقد ظلم الهدف من الصيام، فالغني رغم غناه قد يشعر بالجوع والعطش الشديد حين يسافر لمسافات بعيدة عبر الطرق التي قد يسلكها برا وبحرا وجوا وينقطع عنه الطعام والشراب لفقدان كل منهما وخلو الطريق منهما ورغم ذلك لم يشعر ولم يحرك له ساكنا حين يصل الى مصدر الطعام والشراب بعدها ويمد يده للفقير ليساعده لانه قد شعر بجوعه الذي شعر به من وقت قليل في رحلة سفره .
لكن الله سبحانه وتعالى ختم الآية مستخدماً كلمةً شاملةً في معانيها وتجمع بداخلها اهدافاً كثيرةً للصيام، فالصيام لغة هو،
الاسم من اتقى، والمصدر: الاتقاء، وكلاهما الاسم والمصدر مأخوذ من مادة وقى، والوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره،
وعن معنى التقوى نذكر جانبا منه، فالتقوى هي طاعة الله والعمل على رضى الله واتباع اوامره والانتهاء عن فعل المعاصي ومانهى الله عباده من فعله، كما أن التقوى تعني اتباع نهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالتقوى شيء مابين العبد وربه،وحين استخدم الله كلمة تتقون كان المقصد بداخلها عميقاً خاصة حين قرنت الكلمة بفريضة الصيام، حيث ان هذه الفريضة هي فريضة خفية لايعلمها عن العبد ومدى صدقه فيها الا خالقه سبحانه وتعالى، فانت وأنا أصلى وغيرنا يرى ركوعنا وسجودنا ولايصدقنا احداً إلا اذا رآنا أمامه على هذه الحالة والكيفية، وانت ايضا وغيرك يحج بيت الله، لكن لم يصدقنا احداً اننا قد قمنا بهذه الفريضة الا اذا شاهدنا احد الأشخاص هناك نطوف ونسعى، وهذا يزكي بماله فغيره يراه،
لكن حين نقول اننا صائمون فماذا يكون صدق صيامنا عند غيرنا وهو يعلم اننا اشخاصاً مثلا سيئي الخلق ؟ حتما سيقول الله اعلم ان كنت صائما أم لا او صادقا أو غير ذلك، فهذه العبادة تعكس صدق العبد مع ربه وصدق النوايا مع مانقول،
فهي طاعة سرية تقرب العبد لربه وتنقي مابداخل الصائم وتصفي قلبه من شوائب المعاصي والذنوب، فيرى الشهوات التي بداخله وقد باتت مع صيامه مجرد شهوات دنيئة مع أول رشفة من ماء يشربه حين يؤذن المؤذن للمغرب، وهو يرى ايضا ان وسوسات شيطانه لم يعد لها قرعاً على هذه الأعضاء أو لأصواتها صدى يسمعه أو حتى يسمع لها ازيزا في مفاصله، فيرقى الصائم بمرتبة اعلى في ايمانه مرتبةً تقربه الى الله سبحانه وتعالى، فتصبح صفاته اقرب لصفات الملائكة، وتتضح التقوى اكثر حين يخلوا بمفرده ويجلس بين مفردات كانت تغري جانبه الجسدي وكانت من قبل صيامه محركا لشهوات جسده لكنه مع هذا الصيام يستحضر خوفه من الله رغم عدم رؤيته لله الا انه يتيقن بداخله ان الله يراه وهذه هي التقوى .
ولو اخذنا التقوى اصطلاحا فمن معانيها الوقاية، نعم للصيام وقاية، فهو بمثابة صيانة جسدية شرعها الله. لأيام معدودات ليرمم بها جسد الصائم نفسه، لتعود خلايا وأعضاءه لحيوتها لتصبح بعد ذلك قادرة على ان تستمر بقوة تقوى معها على العمل والانتاج، وهذه الصيانة هي فرصة للقضاء على خلايا الجسد السرطانية والتي لو بقيت لأهلكته، هو ايضا بمثابة فرصة للقضاء على خلايا الدم المسنة لينتج الجسم غيرها، وهو اعادة هيكلة لكل مايدور بالجسم من معامل حيوية لتستعيد لهذا الجسد نشاطه ممايجعله قادرا على اداء باقي العبادات دون كسل او اتكاء .
لكننا قد نفقد للصيام هدفه لو كان الصائم يصر على الغيبة والنميمة وفعل المعاصي وعدم الابتعاد عن مايغضب الله فيه وكذلك التبذير في تناول الكثير من الأطعمة التي ترهق جسده وأجهزته الداخلية ونسيان الفقير وحقه على الغني، فحينها يصبح الصائم وليس من حظه في هذا الصيام الا الجوع والعطش .
إضافة تعليق جديد