الحمد لله الذي فاضل بين الشهور والأيام وجعل رمضان من أفضل مواسم العام وفتح فيه أبواب الخير للأنام الحمد له أولا وأخرا والشكر له ظاهرا وباطنا فلا إله إلا هو سبحانه أفعاله كلها محمودة ويده دائما بالعطاء مبسوطة، وصلى الله وسلم على خير من صلى وصام وتهجد بالليل وقام وبين لأمته الحلال والحرام فصلوات ربي وسلمه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان أما بعد مرت الأيام وكرت الأعوام وتعاقب الليل والنهار وفي تعاقبهما عبر وعظات لمن اتعظ " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أرد أن يذكر أو أراد شكورا " فتأمل أخي الكريم كم من مؤمل لرمضان لم يدركه وكم من فرح بقدومه لم يتم فرحه نعم أناس صاموا العام المنصرم استبشر بقدوم الشهر عشوا أيامه ولياليه أكلوا فيه وشربوا ولبسوا الجديد وتنعموا فأين هم الآن ؟
لقد أفناهم الموت ففارقوا الأحباب وتوسدوا التراب ذهبوا وذهبت أيامهم كم كان لديهم من أماني وأحلام وكم كانوا يؤملون أن يصوموا هذا العام لكنهم " ردوا إلى الله مولاهم الحق " فيا أيها الحبيب حري بمن منّ الله عليه إلى أن أدرك رمضان أن لا تذهب أيامه ولياليه سدى فماهى إلا أيام معدودات فتستقبل بالتوبة والإنابة والاستعداد له بالاجتهاد في القربات والمسابقة في أنواع الطاعات فهو شهر توبة وإنابة وخشوع وإخبات وذل لله تعالى لا شهر أكل وشرب وكسل وخمول، ولكن من المؤسف والمؤلم أن كثيرا من المسلمين حالهم في رمضان أكل وشرب وسهر أمام القنوات التي حملت على عاتقها حرب الفضيلة قد جعلت رمضان سوقا لبضاعتها الكاسدة تتنافس في ما خططت له عاما كاملا لتعرضه على المسلمين على مائدة الإفطار وفي وقت صلاة التراويح وفي ساعات السحر.
لتصد عن سبيل الله، فهلا وقفة صدق و محاسبة مع النفس، واعلموا أنما شرع الله تعالي الصيام لتهذيب النفوس وصقلها وتدريبها على مرقبة الله جلا وعلا، وأيضا من أجل أن يعطف على الفقراء والمساكين عندما يجد ألم ألجوع والعطشن ومن الحكم التي من أجلها شرع الصوم تضييق مجاري الشيطان فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وزمام ذلك كله تقوى الله سبحانه وتعالى ولذا قال تعالي " يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " فالصوم الذي لا يربي صاحبه على تقوى الله جل وعلا وإستشعار عظمته فيه خلل، فليس الصوم الإمتناع عن الطعام والشراب فقط، بل الصوم أشمل من ذلك يشمل كل ما حرم الله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم.
" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر " وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الصيام جنة من النار، فمن أصبح صائما فلا يجهل يومئذ وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه وليقل إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " رواه النسائي، فيا معاشر المؤمنين إن لله عز وجل عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة من ليالي رمضان تعتق رقابهم من النار، أليس هذا الخبر عظيم ودافعا عظيما وحافزا مؤثرا لتتوق القلوب وتشتاق أن تكون من هذه الرقاب المباركات التي أعتقت من النار في شهر الخيرات؟
ولهذا ينبغي على كل منا أن يتحرك قلبه شوقا وطمعا على أن يكون من هؤلاء الذين يعتق المنان الكريم الوهاب رقابهم في موسم الخيرات من النيران.
إضافة تعليق جديد