رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 17 مايو 2025 1:09 ص توقيت القاهرة

الرجوع عن الخطأ فضيلة.. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد إن من المهمات في الشريعة الإسلامية أن يعلم أن كلامه المكتوب والمسموع والمشاهد معدود من عمله ومحفوظ في سجلات الكرام الكاتبين، ومنها أن يعمل بقوله قدر طاقته، حيث قال زبيد اليامي أسكتتني كلمة ابن مسعود عشرين سنة من كان كلامه لا يوافق عمله فإنما يوبخ نفسه، ومنها أن يقول الحق لا تأخذه فيه لومة لائم، ولمّا تكلم جلساء معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه والأحنف ساكت، فقال معاوية يا أبا بحر مالك لا تتكلم؟ فقال أخافكم إن صدقت، وأخاف الله إن كذبت، وقد قال الأول إذا لم تقل الحق فلا تقل الباطل، وكل كلمة لها من الله تعالي طالب فمعتق أوموبق ويقول رسول الله صلي الله عليه وسلم.
" ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" وجماع ذلك " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" ومنها ألا يعتقد ثم يستدل حتى لا يزيغ البصر فتتبعه البصيرة، والذنوب كلها شؤم " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" ومنها أن لا يبدي ولا يبدأ في الإسلام رأيا ليس له فيه إمام، بل يتبع ولا يبتدع فقد كفي، ومن المهمات أن يحرر كلامه قبل نقله، وأن يكون عنده ميزان وبصيرة بالمقولات التي بين يديه، حتى لا يكون إمّعة، قال رجل لعلي رضي الله عنه أترى أننا نظن أنك على الحق وفلانا على باطل؟ فقال علي رضي الله عنه "ويحك يافلان الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله" وانظر جواب الشيخ أبا بطين رحمه الله لما سئل لو كان هذا حقا ما خفي على فلان" ولا للإصطفاف على غير علم والتخندق على غير حلم والنصر الأعمى بلا حكمة، بل لابد من النضج الخلقي والعلمي، ومنها اللين في الخطاب والحكمة في الموعظة.
والسهولة في الأسلوب والتعريض دون التصريح عند الحاجة، فإن لم ينجع فبما بال أقوام، وآخر العلاج الكي فيقول تعالي في سورة آل عمران " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" والعامة تقول الكلام الليّن يغلب الحق البيّن، ومنها إعتبار إختلاف الرأي لا يفسد الود فيما يسوغ فيه الخلاف، وهذا حال السلف الصالح، ومما يلحق بذلك أن لا يشترط قبول الطرف المقابل لرأيه وإجتهاده، بل يكفيه أن يستمع له ويفهمه والحوار الهادف المنضبط هو من قبيل تدارس العلم، ومن أسباب نمائه وتثبيته ونشره، فهو مأجور من هذه الحيثيّة، وكما أن من المهمات أيضا أن لا يردّ البدعة بأختها، بل بالسنة، وقيل لإمام دار الهجرة مالك رحمه الله تعالى الرجل يأمر بالسنة؟ قال نعم، قيل أيجادل عنها؟ قال لا، ونبيّنا صلوات الله وسلامه عليه زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، ومنها الحذر من أن تأخذه العزة بالإثم.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه من قيل له اتقي الله، فقال انشغل بنفسك فقد أخذته العزّة بالإثم وما أقل من يسلم من ذلك في مضائق المناظرات، ومن توابع تيك المنقبة، هو إعتبار الرجوع عن الخطأ فضيلة عمليا، وعدم التردد في ذلك وأن يتحلى بالفروسية في مسايفة الكلم ومثاقفة الخطب وأن التواضع للحق وكسر نخوة النفس خير في العقبى والأولى من الإعناق في باطل مشوب بتأويل، وبالجملة فمن حُسن سياسة الناس في التعليم والمدارسة والمناظرات والمحاورات لين الجانب وبسط الوجه وبشاشة العبارات وإرادة الخير للمقابل ظاهرا وباطنا وهناك خيط رفيع بين الحوار "المدارسة" وبين المراء "المهاترة" وإرادة العلو في الأرض وهي مذمومة ولو كانت بحق ناهيك عن كونها بالباطل، فإن كانت المدارسة هكذا وإلا فلتكسر الأقلام ولتمزق الصحائف، فكل حزب بما لديهم فرحون، قد تلبّس الشيطان أفئدتهم فأوحى إليها زخرف القول غرورا، فتناولت العزة بالإثم أناملهم فكرعت في الكبر وخاضت في الباطل.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.