رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 26 أبريل 2025 6:58 م توقيت القاهرة

الحلقة الثانية من سلسلة "شخصيات أثرت في حياتي"

د/ عزازي علي عزازي... عمي وأبي الروحي

بقلم: د/ سماح عزازي

تقابلنا الحياة بأشخاص مختلفين، في أماكن وأزمنة متباينة، يؤثرون فينا، إما بالسلب أو بالإيجاب، يغيروننا من الداخل، ويتركون علامات لا تمحى على قلوبنا، وينقشون خطوطهم العميقة على أرواحنا. فلا أحد منا في هذا العالم لم يلتقِ بشخصيات كهذه، أو يخض معهم معارك الحياة المختلفة.

سعيد ومحظوظ من تسوق له الأقدار شخصية تزرع فيه المبادئ والقيم، وتكون له قدوة حسنة ومثلًا أعلى، يدفعه طموحه إلى أن يحقق ولو جزءًا بسيطًا من مكتسبات تلك القدوة التي تدفعه دائمًا للأمام.

وسوف أستعرض معكم اليوم شخصية لم تكن فقط مثلًا أعلى وقدوة حسنة، بل كانت العم، والأب الروحي، والملهم لكل من حوله. كان بسمةً على شفاه الجميع، وضوءًا شاردًا، وقنديلًا ينير الطريق لمن حوله.

سأعرض لكم شخصية يقف لها التاريخ إجلالًا، وطنيٌ من الطراز الأول، محبٌ لبلده، مهمومٌ بقضاياه، عاشقٌ لترابه، سخر نفسه وقلمه وحياته لخدمة وطنه وأهله.

إنه شخصية ليست غريبة ولا بعيدة عن أحد، إنه عمي الدكتور عزازي علي عزازي، محافظ الشرقية الأسبق - رحمه الله.
كان وطنيًا منذ نعومة أظافره، فمنذ الطفولة البريئة، كان له دور بارز في الاهتمام بكل ما يخص الوطن. حين كان طفلًا في المرحلة الابتدائية، أرسل خطابًا إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، يهنئه فيه بالعيد الحادي عشر لثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٦٣. وطار فرحًا عندما وصله الرد مرفقًا بصورة وموقَّعًا بخط يد الرئيس الراحل.
كبر ذلك الطفل الذي نمى بداخله الوعي الوطني، وأصبح فيما بعد شخصية لها ثقلها في هذا الوطن.

كان كاتبًا وصحفيًا وأديبًا وسياسيًا ومصريًا أصيلًا. رجلًا بسيطًا متواضعًا، يعشق تراب مسقط رأسه "أكياد". ورغم إقامته الدائمة بالقاهرة وعمله المستمر والدؤوب، إلا أنه كان دائم الزيارة لبلدته ولجدتي - رحمهما الله.

كنت أترقب وصوله حتى أجلس معه وأستمع إلى حديثه، وأنتظر حضوره إلى بلدنا بشغف، فهو النافذة التي كنت أطل منها على العالم الخارجي الذي يبدأ عند انتهاء حدود بلدتي بالشرقية.

كان يجلس بجانب جدتي - رحمهما الله - ويتحدثان حديثًا طويلًا، ألتقط منه المفاهيم والمعاني، وأكون منها جملاً تملأ عقلي بالمعرفة.

كان هو قدوتي في كل شيء. رحمة الله عليه، كان نبراسًا للعلم والنضال، ينير طريقنا جميعًا. كنت أتفاخر بالانتماء إليه، وأتباهى أمام العالم بحمله لاسم عائلتنا.

كنت أطير فرحًا عندما يسمع أحدهم اسمي ويسألني إن كنت أنتمي إلى هذه الشخصية العظيمة، وكنت أجيب بفخر واعتزاز: "نعم، إنه عمي العزيز وأبي الروحي".

كان - رحمه الله - سياسيًا كبيرًا، وعضوًا مؤسسًا في حزب الكرامة، والتيار الشعبي المصري، وحركة كفاية.
عمل محافظًا لمحافظة الشرقية، وكان أستاذًا جامعيًا؛ فقد حصل على ليسانس الآداب من جامعة الزقازيق، ونال درجتي الماجستير والدكتوراه في النقد الشعري والروائي.
اشتغل في كثير من الصحف العربية، وعمل مستشارًا لها بجانب عمله بالجامعة.

تقلد مناصب كثيرة على المستويين المحلي والدولي؛ فكان مؤسسًا بالمجلس القومي للثقافة العربية بالرباط، ومدير مكتب جريدة الوحدة بالقاهرة، ومدير مكتب مجلة المجد الأردنية بالقاهرة، وعضو لجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية، وعضو مؤتمر أدباء مصر، ومستشارًا للنشر بهيئتي الكتاب وقصور الثقافة.

كان عضوًا مؤسسًا في النادي السياسي بالزقازيق، ومؤسسًا بالحزب الاشتراكي، وأمينًا للحزب بالشرقية في الحركة الوطنية للتغيير.
كما كان عضوًا بجبهة الإنقاذ، وعضو الأمانة العامة بالحزب الديمقراطي الناصري، ومؤسسًا لحزب الكرامة وأمين الإعلام به، ورئيس تحرير جريدة الكرامة، وعضو مجلس الأمناء للتيار الشعبي المصري، ومؤسسًا للحركة المصرية من أجل التغيير، وعضو تنسيق لجنة كفاية، وعضو ائتلاف المصريين من أجل التغيير.

له عدة مؤلفات قيمة، منها:
"المتمرد و الصعلوك
 قراءات في شعر عنترة بن شداد وعروة بن الورد"،
"الأرض هامش كوني" دراسة علميه 
محبه النص  ...  دراسة نقدية 
سمولوجيا الرواية المصرية 
الناصرية تجاوزتنا ام تجاوزناها 
"تعريب التاريخ العربي"، 
كما له مؤلفات درامية منها: "طائر العودة"،
وغيرها من المؤلفات التي اثرت المكتبة العربية 
 بالإضافة إلى برامجه الشهيرة مثل "المصبحاتية"، و"آداب إسلامية"، و"تماسي شعبية".

كان - رحمه الله - وجهًا مألوفًا في كل النشاطات والمبادرات المناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
أسس مع آخرين حركة "لا للتطبيع"، وزار غزة مع مجموعة من الصحفيين والمراسلين لفك الحصار عن القطاع.

لقد كان رمزًا نبيلا للسياسي المناضل، الذي يرفض المهادنة أو الخنوع، مثل كل الأبطال العظام الذين أنجبتهم محافظة الشرقية، تلك الأرض الخصبة التي تلد الأبطال عبر العصور.

توفي - رحمه الله - بعد صراع مع المرض في الصين، بعد مرور شهرين على عملية زراعة كبد، وذلك يوم الخامس من مارس عام ٢٠١٤، بعد مسيرة حافلة بالنضال الوطني والدفاع عن كرامة وطنه.
ترك لنا إرثًا عظيمًا من المجد والتاريخ المشرف، وشخصية عظيمة نفخر بها جميعًا نحن آل عزازي.

شيع جثمانه الطاهر الآلاف من أبناء بلدته وجميع القرى المجاورة، في مشهد مهيب سجلته عدسات جميع الصحفيين والمراسلين.
رافقت الجثمان الطاهر من مطار القاهرة إلى مثواه الأخير ببلدته، وسط مشهد عظيم يدل على مكانة الراحل في قلوب الجميع، حيث خيم الحزن على الجميع، واتشحت البلدة بالسواد، ولم يُسمع سوى صوت البكاء والعويل.

اصطف الجميع على الطرقات، رجالًا ونساءً وأطفالًا، يترقبون وصول حبيب الملايين الذي طالما سمع شكواهم، ومسح آلامهم، وأعطى الأمل لمستقبل أفضل، ولم يردَّ أحدًا لجأ إليه خائبًا، بل كان يملأ وجوههم بالبشر والسرور، ويزرع الأمل في نفوسهم لحياة كريمة.

وحضر كثير من الشخصيات المرموقة في الدولة مراسم استقبال الجثمان ومراسم الدفن؛ وزراء ومحافظين وفنانين وكل من عرف الراحل، وكانت جنازته مظاهرة حب وعرفان بالجميل لابن بار من أبناء هذا الوطن.

استقبلت العائلة خبر وفاته بصدمة هزت الوجدان، فقد كان أبًا للصغير، وأخًا للكبير، كان يبتسم للجميع، ويحنو عليهم، وكان درع أمان لكل من حوله.
رحمه الله، فقد كان شخصية أسطورية، دائم العطاء، محبًا للجميع، متصالحًا مع نفسه ومع الآخرين.

فالطيبون يرحلون بعيدًا إلى جوار رب كريم.
ولتكريمه، أُطلق اسمه على المدرسة الثانوية ببلدته، لتتحول من "أكياد الثانوية المشتركة" إلى "مدرسة الدكتور عزازي علي عزازي الثانوية المشتركة"، تخليدًا لذكراه العطرة.

وقلمي لا يكف عن الكتابة، ولا ينضب حبره عن هذا الجبل الراسخ، الذي ظل مدافعًا عن أفكاره ومعتقداته وعن الضعفاء من أبناء وطنه. فلدي الكثير والكثير من الذكريات التي تجمعني به في أفراحنا وأحزاننا وجلساتنا، ما يساعدني على كتابة مجلدات تحمل اسمه العظيم. لقد ترك لنا إرثًا نعتز به جميعًا، وجعل من اسمه وسامًا على صدورنا.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.