الحمد لله منشيء الموجودات وباعث الأموات وسامع الأصوات ومجيب الدعوات وكاشف الكربات، عالم الأسرار، وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته وإقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين ثم أما بعد ولكن هل يجب الإعتكاف بالشروع فيه؟ وهو أن فيه قولان لأهل العلم، فالقول الأول وهو أنه لا يجب بالشروع فيه، وهو قول جمهور أهل العلم، والقول الثاني وهو أنه يجب بالشروع فيه، وهذا هو المشهور عند المالكية، وقال شيخ الإسلام "فإن قيل إذا كان له الخروج منه، ثم له أن يدخل فيه متى شاء.
فما معنى قولهم يحرم على المعتكف كذا، ويجب عليه كذا؟ قيل له فوائد فإحداها وهو أن المحرمات في الاعتكاف من المباشرة والخروج من المسجد لغير حاجة، إنما له أن يفعلها إذا نوى ترك الاعتكاف، فيكون فعله على وجه الترك للاعتكاف، فلا يكون حين فعله معتكفا، أما أن يستديم نية الاعتكاف ويفعل ذلك فلا يحل له ذلك، بل يكون قد اتخذ آيات هزوا، ويكون بمنزلة الحائض إذا أمسكت تعتقد الصوم صحيحا وبمنزلة ما لو تكلم أو أحدث في الصلاة مع بقاء اعتقاد الصلاة، وهذا لأن العبادة التي ليست واجبة إذا أراد أن يفعلها، فإنه يجب أن يفعلها على الوجه المشروع، وليس أن يخل بأركانها وشروطها وإن كان له تركها بالكلية، والثانية وهو أنه إذا فعل ما ينافيه من خروج ومباشرة انقطع الاعتكاف، فلو أراد أن يعود إليه كان اعتكافا ثانيا يحتاج إلى تجديد نية.
ولا يكفيه إستصحاب حكم النية الأولى حتى إنا إذا لم نجوز الإعتكاف أقل من يوم فاعتكف بعض يوم ثم قطعه، ثم أراد أن يتمه باقي اليوم لم يصح ذلك كما لو أصبح صائما ثم أكل، ثم أراد أن يتم الصوم، وأنه إذا نذر الإعتكاف معينا أو مطلقا صارت هذه الأمور واجبة عليه، وحرم عليه ما ينافي الإعتكاف بكل حال، كما لو نذر صوما معينا، أو صلاة مؤقتة، أو مطلقة" وإن أقل زمن للإعتكاف وأكثره، فيه مسألتان، فالمسألة الأولى أقله، وقد إختلف العلماء في أقل زمن الإعتكاف على أقوال، فالقول الأول وهو أن أقل مدته يوم، وهو رواية عن أبي حنيفة وبه قال بعض المالكية، ووجه عند الشافعية، والقول الثاني وهو أن أقل مدته يوم وليلة، وهو مذهب المالكية، والقول الثالث وهو أن أقل مدته عشرة أيام، وهو رواية عن الإمام مالك، والقول الرابع وهو أن أقل مدته لحظة.
وهو قول أكثر العلماء، فعند الحنفية جاء في الدر المختار "وأقله نفلا ساعة من ليل أو نهار عند محمد وهو ظاهر الرواية عن الإمام، وبه يفتى، والساعة في عرف الفقهاء جزء من الزمان لا جزء من أربعة وعشرين كما يقوله المنجمون" وعند الشافعية جاء في المجموع "الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه يشترط لبث في المسجد، وأنه يجوز الكثير منه والقليل حتى ساعة أو لحظة" وعند بعض الشافعية يكفي المرور في المسجد من غير لبث وعلى هذا فلو مر من باب إلى باب آخر، ونوى حصل الإعتكاف، وعند الحنابلة أنه جاء في الإنصاف "أقله إذا كان تطوعا، أو نذرا مطلقا ما يسمى به معتكفا لابثا، قال في الفروع ظاهره ولو لحظة" ودليل من ذهب إلى أن أقله يوم هو أن من شرط صحة الإعتكاف الصوم، والصوم لا يصح أقل من يوم.
ونوقش بعدم تسليم إشتراط الصوم لصحة الإعتكاف، وأيضا فإن العبادة لا تكون مقدرة بشرطها، وأنه جاء عن بعض الصحابة أنه لا إعتكاف إلا بصوم والصوم لا يكون إلا في يوم كامل، فكذار الإعتكاف لا يكون إلا في يوم كامل لاشتراطه الصوم فيه، وقال ابن حزم "إنه لم يأتي عنهم لا إعتكاف أقل من يوم كامل إنما جاء عنهم أن الصوم واجب في حال الاعتكاف فقط، ولا يمتنع أن يعتكف المرء على هذا ساعة في يوم هو فيه صائم" ودليل من ذهب إلى أن أقله يوم وليلة هو حديث عمر رضي الله عنه، وفيه تقديره بيوم وليلة فكان ذلك أقله، وورد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال "لا اعتكاف أقل من يوم وليلة" ودليل من قال "أقله عشرة" هو أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالي، وكما قيل لم يعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل من عشر ليال؟
قلنا ولم يمنع من أقل من ذلك، وكذلك أيضا لم يعتكف قط في غير مسجد المدينة، فلا تجيزوا الاعتكاف في غير مسجده عليه السلام، ولا اعتكاف قط إلا في رمضان والإعتكاف فعل خير فلا يجوز المنع منه إلا بنص وارد بالمنع" وأما دليل من قال أقله لحظة هو قول الله تعالى " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " وقال ابن حزم "فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، وبالعربية التي خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاعتكاف في لغة العرب الإقامة، فكل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف، مما قل من الأزمان أو كثر إذ لم يخص القرآن والسنة عددا من عدد، ووقتا من وقت"
إضافة تعليق جديد