بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 2 نوفمبر 2024
إن الحمد لله شارح صدور المؤمنين، فانقادوا إلى طاعته وحسن عبادته، والحمد له أن حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، يا ربنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصلى اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أجمعين، ثم أما بعد لقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بضياع الأمانة تدريجيا حتى يمحى أثرها من قلوب الرجال، وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فأين الأمانة اليوم؟ فإنك لو جئت وغربلت الناس لتخرج الصالح من الطالح لما وجدت في الغربال شيئا إلا حثالة، والحثالة هم سفلة الناس وغوغاؤهم، وقوله عليه الصلاة والسلام "مرجت عهودهم" أي اختلطت عهودهم وفسدت، وضيّعها أصحابها، وقد دلت الآثار على أن رفع الأمانة من قلوب الرجال يُعدّ من أوائل مظاهر الخلل في بنيان المجتمعات.
وبداية الإنحراف والتغيير في قيمها وأخلاقها، وشاهد ذلك من بطون السنة ما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة" ولقد ضعفت الأمانة، وقل التعامل بين الناس بها، حتى لا تكاد ترى رجلا أمينا تأمنه على مالك أو سرك أو غير ذلك، قال عبد الله بن مسعود أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول من ترون لي أن أعامل من الناس؟ فيقال له عامل من شئت، ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون عامل من شئت إلا فلانا وفلانا، ثم أتى زمان آخر فكان يقال لا تعامل أحداً إلا فلانا وفلانا وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضا وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإن أمر الأمانة عظيم، وخطرها كبير، فلقد إستهان كثير من الناس اليوم بأمر الأمانة حتى أضحوا لا يلقون لها بالا.
ولا يقيمون لها وزنا وذلك ناتج عن سوء فهم لمعنى الأمانة وما يترتب على تضييعها والتفريط فيها من العذاب والعقاب، وإن من أسباب التفريط في الأمانة عدم تذكر ما سيحدث لمن فرط في الأمانة من العذاب والنكال في قبره من سؤال الملائكة له عما فرط فيه من الأمانة، ومن أسباب التفريط في الأمانة ضعف الوازع الديني لدي كثير من الناس، فلو كان هناك وازع من الدين يردع صاحبه ويزجره كلما هم بالتفريط فيما أوكل إليه من أمانة لعاشت الأمة في خير عظيم وأمن وارف، ومن أسباب التفريط في الأمانة هو دافع الإنتقام سواء من رئيس أو صاحب عمل، ولا شك أن هذا الأمر لن يضر أولا وآخرا إلا من فرط في الأمانة لعظم قدرها وكبير خطرها، فمهما حصل من سوء تفاهم بين الرئيس والمرءوس، والعامل وصاحب العمل، والزوجة وزوجها.
فليس معنى ذلك أن يفرط هذا أو ذاك فيما أنيط به من أمانة ومسؤولية، فليحذر المسلم من عاقبة ذلك فالعاقبة وخيمة والخاتمة سيئة والعياذ بالله، حفظنا الله وإياكم بحفظه وأمانته ورعايته، ولقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة، فقال صلى الله عليه وسلم " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال وكيف إضاعتها ؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " رواه البخاري، وهذا معنى عظيما يرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن كل شيء لا بد وأن يوضع في مكانه المناسب، فلا يسند العمل ولا المنصب إلا لصاحبه الجدير به والأحق به من غيره دون محاباة لأحد وإلا فقد ضاعت الأمانة واقتربت الساعة، وضياع الأمانة دليل على ضياع الإيمان ونقص الدين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له "
إضافة تعليق جديد